عزيزي القارئ: القرآن هو مصدر التشريع الأول في الإسلام, ولقد احتوى على تشريعات حكيمة وأحكام قويمة تقي الإنسان من التخبط في حياته, رحمة من الله وفضلاً منه على هذا الانسان, وتحقيقاً لسعادته في الدنيا والأخرى.
الصلاة عمود الدين ولبه, وهي عبادة بدنية خالصة غير مكلفة, شرعت من فوق سبع السموات مباشرة من الله وحده إلى نبيه الكريم دون واسطة, بل من وراء حجاب الألوهية والكبرياء والعظمة, تتوقف عليها باقي الأعمال يوم القيامة فأول الحساب يكون عليها, لذلك كانت من الأهمية بمكان ثواباً وإتياناً بحيث يصليها الصحيح والسقيم والمحتضر والمقيم والمسافر والمحارب والمسالم من دون سقوط, لما لها من فوائد عظيمة التي يحتاجها كل إنسان, فوائد لا تُحصَر, تزيد بهاء ونوراً فوق نور, وتنقله من علو إلى علو, وهي صلاة واحدة للجميع لم يطرأ عليها التبديل ولا التعديل منذ ما شُرِعت, بخلاف الصلوات الوضعية التي تتبدل وتتغير وتتعدد حسب الأهواء, ورغم إنها عبادة غير معقولة المعنى, إلا أن الإنسان قد توصّل إلى فوائد جمة بسببها, يحملنا إلى القول بأنها معجزة بحيث إنه لا يمكن لبشر تشريعها وأن مشرعها هو الله الواحد الأحد, وسنتعرف بعض هذه الفوائد.
ففيها فوائد روحية ونفسية واجتماعية وجسدية, فمن الفوائد الروحية إنها قربى إلى الله ومناجاته سبحانه, ونحن في الحضرة الربانية والمقام الإلهي العظيم, فنحرص ألا نخطأ في فعل أو قول فيها خشية لذلك المقام العظيم, نفوض أمورنا إلى الله جل جلاله ونسلم إليه أمورنا فتزداد ثقتنا بالله, ونؤديها خمس مرات في اليوم والليلة, خمس في العمل وخمسون في الأجر كرامة من الله لهذه الأمة الضعيفة, بها تكفير خطايا عدا الكبائر فهي تغسلنا خمس مرات كما يغسل الماء الجسد مرات, فلا يبقى ذنب علينا كما لا يبقى درن في الجسد, ومن فوائدها الدينية كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر) (رواه الربيع) فهي أعظم فريضة بعد التوحيد, وكما قال ربنا جل جلاله:(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت ـ 45), ومن أسباب دخول النار ترك الصلاة. فقد حكى الله عن أهل النار قولهم:(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدثر 42 ـ 43).
ومن فوائدها النفسية, تقوية عزيمة النفس, والاعتزاز بالله وحده, وعدم التذلل لغير الله , قال الله تعالى:(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)(المعارج 19 ـ 23), هذه الانفعالات النفسية لا بد للإنسان منها حسب المواقف التي يتعرض لها كما ذكرت الآية, يصحبها افراز هرمونات عديدة تغير من كيمياء المخ, ويتميز المصلي بأن يصل إلى حد الاتزان سريعاً دون أن يؤدي بها ذلك الانفعال, إلى ما لا يُحمَد عقباه, وبالتالي يضبط إفراز تلك الهرمونات إلى أن يبقى ساكن النفس, قوي التركيز , دائم التفكر لأنه حين يستمع للقراءة يسمعها بانتباه وتمعن وخشوع وطمأنينة, ولا ريب أن المصلي يطرح همومه إلى ربه عبر الصلاة, فهو الواحد القادر الشافي المعافي منها, لذلك أمر الله سبحانه وتعالى في آية أخرى بالصلاة قال سبحانه:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)(البقرة ـ 45), كما كانت قرة عين النبي (صلى الله عليه وسلم) يستعين بها في تحمل أعباء الرسالة, فقد أخرج أبو داود أن رسولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ:(يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا).
ومن فوائد الاجتماعية لصلاة الجماعة وصلاة الجمعة المساواة التامة بين الناس وإلغاء الفروق الدنيوية, وقوة لحمة الجماعة حين يصطفون كالبنيان المرصوص ويحلون مشاكلهم ويلبي بعضهم حاجة بعض, كما أنها تعرف المسلمين بعضهم ببعض, حين يلتقون, وهي تعمل كساعة توقيت, ولقد سمعت شخصاً يحكي عن أحد الأجانب الأفاضل, قوله: المسلمون لا يحتاجون إلى ساعة توقيت, فإذا ما توعد شخصاً ما, قلت له: نتلاقى بعد صلاة العصر أو قبل المغرب أو ما بين المغرب والعشاء.

علي بن سالم الرواحي