قراءة ورؤية ـ علي بن صالح السليمي:
بمباركة سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قـابـوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ راعي العلم والعلماء، يأتي انعقاد سلسلة هذه الندوات الفقهية للعلماء من داخل السلطنة وخارجها عبر (13) عاما حتى الآن .. وبتنظيم وإشراف من وزارة الاوقاف والشؤون الدينية بشكل سنوي.
وستبدأ غدأ "الاحد" فعاليات ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان في نسختها (الثالثة عشرة) لهذا العام 2014م تحت عنوان:(الفقه الإسلامي المشترك الإنساني والمصالح) وتستمر أربعة ايام، حيث ستتناول عددا من مفاهيم الاشتراك في الحياة بين المسلمين أنفسهم ومع غيرهم، في الوطن الواحد والعالم من خلال الدراسات الفقهية المعمقة والاجتماعية المكتسبة والتربوية النظرية والآراء المذهبية المقارنة، وسيتم خلال هذه الندوة مناقشة مجموعة من المحاور وأوراق العمل والتي ستركز على المفاهيم المرتبطة بالعيش في مواضيعه المختلفة المتعلقة بالقرآن الكريم والسنة المطهرة والقانون والتاريخ والمواطنة بين أهل الكتاب وغيرهم في الشريعة والقانون الدولي، والخطاب التشريعي لغير المسلمين في القرآن والسنة والمقاصد الشرعية والقواعد الفقهية والتاريخ والأعراف.
.. وهنا عزيزي القارئ .. قراءة سريعة وعرض مبسط لسلسلة تلك الندوات منذ بداية انعقادها عام 2002م .. وما تحمله من مضامين ومحاور من خلال اختيار عناوينها الهامة:

الندوة الأولى (2002م):
جاءت الندوة الأولى تحت عنوان: (ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن الثالث الهجري ـ الإمام محمد بن محبوب أنموذجا، 2002م).
حيث اهتمت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في منطلق هذه الندوات لتناقش دور العلماء العمانيين الذين لهم جذور في التاريخ العماني منذ القرون الماضية وما أسهموا فيه من تطور في تلك العلوم الفقهية .. والتآليف التي ظهرت في هذه الفترة وما تمتعت به من مزايا ومحاسن عديدة .. وجعلت ما أثر عن العلامة محمد بن محبوب (رحمه الله) وهو من كبار علماء القرن الثالث أنموذجا للدراسة والبحث في هذه الندوة.

الندوة الثانية (2003م):
وكان عنوانها "الخطاب الديني في شعر أبي مسلم البهلاني الرواحي"، حيث تم اختيار هذه الشخصية العمانية العلمية المعروفة في كل مكان وزمان في مجال العلم والشعر .. وهنا أبرزت هذه الندوة دور الخطاب الديني وأثره في المجتمعات الإسلامية والمراحل التي مر بها على مر العصور وأهم العناصر والمقومات التي ينبغي أن ينتبه لها الخطاب الديني في العصر الحديث، وعرجت على دور الشعر العماني خاصة والإسلامي عامة في حمل رسالة الإسلام وأثره متخذة من شعر أبي مسلم الرواحي أنموذجا للدراسة.

الندوة الثالثة (2004م):
وقد تم اختيار عنوان هذه الندوة ليكون أشمل نوعا ما وهو: "تطور العلوم الفقهية في عُمان خلال القرن الرابع الهجري – القواعد الشرعية أنموذجا"، حيث تمت مناقشة نشأة القواعد الفقهية والتآليف التي كتبت فيها وبينت أهميتها في ضبط الفقه والفتوى، كما أظهرت مؤلفات العلماء العمانيين خاصة أبا سعيد الكدمي وابن بركة البهلوي في القرن الرابع وما حوته من القواعد والضوابط الفقهية التي يقوم عليها الفقه الإباضي.

الندوة الرابعة (2005م):
عنوان الندوة جاء بمسمى "تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن السادس الهجري – التأليف الموسوعي والفقه المقارن" ، وقد تم البحث في محاور هذه الندوة عن نشأة الموسوعات الفقهية في العالم الإسلامي وطبيعة تأليفها وهدف العلماء منها، كما أجريت دراسات على بعض الموسوعات العمانية كبيان الشرع والمصنف والضياء ظهر فيها فكر مؤلفيها ومدى سماحتهم في ذكر آراء مخالفيهم وطبيعة الفقه المقارن عند العمانيين.

الندوة الخامسة (2006م):
"الفقه العُماني والمقاصد الشرعية".. جاء عنوان الندوة بما يختص في الفقه العماني بشكل أعمق، فقد أكدت الندوة في محاورها على مقاصد الشريعة وخصائصها وتأصيلها وأثرها في الفقه والفتوى وضرورة الاعتناء بهذا العلم لمعرفة مدى تأثيره في استنباط الحكم الشرعي وتغيير الاجتهاد باختلاف البيئة والزمان، كما أبرزت الندوة معالم مقاصد الشريعة في الفقه العماني من خلال قواعدهم وفتاويهم وتطبيقاتهم الفقهية.

الندوة السادسة (2007م):
ناقشت الندوة من خلال عنوانها الهام وهو "فقه النوازل وتجديد الفتوى" مكانة الفتوى ودورها وضرورتها والضوابط التي تجب مراعاتها في الإفتاء والمراحل التي مرت بالفتوى والمشكلات التي تواجه الإفتاء في العالم الإسلامي اليوم وكيفية مواكبتها للتطور العلمي، كما تعرضت للأمور التي ينبغي الانتباه لها في النوازل والمستجدات التي تطرأ في الحياة وكيفية معالجتها.

الندوة السابعة (2008م):
في عنوان هذه الندوة "التقنين والتجديد في الفقه الإسلامي" تم النظر برؤية خاصة الى أمر مهم في هذه الأمة .. وهو معالجة ضوابط الاجتهاد وضرورة استمراره وتجديد الفتوى لاختلاف بيئات العالم الإسلامي وتجددها وتغيرها بتطور العلوم التطبيقية، كما نوقش فيها ظاهرة التقنين في الفقه الإسلامي ونشأتها ومزاياها ومشكلاتها والجهود المبذولة لتطويرها وتفعيلها في القضاء.

الندوة الثامنة (2009):
يتبين لنا من هذا العنوان:"الفقه الإسلامي والمستقبل، الأصول المقاصدية وفقه التوقع" بأن الندوة أخذت منحى هاما حول نظرة المذاهب والتفكير الفقهي، وذلك لأنها بينت معالم التفكير الفقهي عند المذاهب وموقفها من الفقه الافتراضي والأصول التي يقوم عليها فقه المستقبل مع بيان دور الفقيه وآليات عمله، كما بحث فيها نماذج من فقه التوقع عند العلماء العمانيين ومقارنتها بغيرهم من علماء المذاهب، وكان جزءا كبيرا من هذه الندوة في مناقشة القضايا الفقهية المستجدة في العالم اليوم ومدى استعداد الفقه ودوره لمواجهة ما يتوقعه من النوازل.
ولكون الحضارات المتقدمة تعنى كثيرا بالمستقبل لذا تكثر الدراسات المستقبلية التي ترسم الطريق واضحا لصناعة القرار ووضع السياسات ورسم التوجهات. والفقه الإسلامي لما له من كبير الأثر في حياة الأمة لا يصح أن يكون خلواً من نظرة فاحصة تستشرف المستقبل وتضعه ضمن حساباتها وتقديراتها والمتأمل في القرآن الكريم يرى حسابات المستقبل حاضرة في مضامين الآيات الكريمة في أوامره ونواهيه كما في قصصه وأخباره.
لذا جاءت هذه الندوة لتضع هذا الموضوع وهو (الفقه الإسلامي والمستقبل، الأصول المقاصدية وفقه التوقع) محورا لأبحاثها لتوجه أنظار المشتغلين بالفقه الإسلامي إلى مجال الدراسات المستقبلية لما لها من أهمية كبيرة في تقدير احتياجات الراهن واكتناه آفاق المستقبل الأمر الذي يحمّل القائمين على الشأن الفقهي مسؤولية استشراف المستقبل ومسايرة ركب الحضارة بما لا يتعارض مع ثوابت الدين وكلياته.

الندوة التاسعة (2010م):
"الفقه الحضاري ـ فقه العمران" .. عنوان يركز على اهتمام الندوة في مجال التراث والعمران والتوافق الحضاري والفقهي في ذلك ، ومن هنا فقد ركزت هذه الندوة على جوانب التراث العلمي لدى المسلمين في مختلف علوم الدين، وما جادت به قرائح علماء المسلمين في مضامين البيئة والفقه العمراني، وفقه الأسواق، والموارد البشرية، والمنشئات والمرافق، والكون والكائنات، والحقوق المتبادلة، والنقد (العملة)، وآداب الطريق، إلى غير ذلك مما اجتهد فيه علماء الإسلام.
وتأتي هذه الندوة ضمن اهتمامات الوزارة للنهوض بالفكر الديني والإسهام في مواكبة الحضارة ودراسة التراث الإسلامي برؤى جديدة والكشف عن الجوانب الحضارية فيه وتقديمه للأجيال ثقافة لا متجددة تمتلك خواص بقائها واستدامتها لاسيما الفقه الذي يمثل ركيزة أساسية في الثقافة الإسلامية .

الندوة العاشرة (2011م):
في هذا العنوان للندوة وهو "الفقه الإسلامي في عالم متغير" يتبين لنا الحاجة الماسة الى نظرة الامة في هذ الوقت للجانب الفقهي وما كان عليه السلف الصالح في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان الفقه في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) مقتصرا على ما يحتاجه الناس في ذلك الزمن، بل ورد النهي منه (صلى الله عليه وسلم) عن كثرة السؤال: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه).
كما ان هذه العنوان للندوة يأتي في ظل ما يشهده العالم من تطور وتقدم في مختلف مجالات الحياة ولكون الدين الإسلامي من أهم مقومات هذه الحياة ومرتكزاتها ولأنه يخاطب العقل البشري وفق مقتضى العقل الإسلامي الواعي المنفتح على كل هذه التغيرات ليتمكن من المواءمة بين متطلبات الحياة الروحية والحياة المادية.

الندوة الحادية عشرة (2012م):
مع تسلسل هذه الندوة في مضامين عناوينها وتنوعها .. جاء عنوان هذه الندوة تحت مسمى:(النظرية الفقهية والنظام الفقهي).. حيث اهتم بمناقشة القضايا الفكرية والتراثية الاسلامية والمتغيرات التاريخية في انحاء العالم الاسلامي والدراسات الفقهية الاسلامية في رؤيته التنظيرية كقانون تأسيسي والاهتمام بالدراسات النظرية في الأصول والعلل والمقاصد وذلك لما تمثله من نزوع للمراجعة والنقد والتصحيح واتجاه لصنع الجديد عن طريق العمل الدؤوب في البحث الجاد والتطوير ودور المسلمين أن يستعيدوا الثقة في فكرهم وتراثهم ومشروعهم الحضاري.
وتناولت الندوة عددا من المحاور التي لها الدور الفعال والايجابي في خدمة الامة الاسلامية تتمثل في المصطلحات والمفاهيم والخطاب التشريعي وفقه التعايش والمدارس الفقهية وفقه العيش في العالم (الفقه الإباضي)، والمدارس الفقهية وفقه العيش في العالم رؤية مقارنة (المذاهب الفقهية الاسلامية) وفقه العيش المشترك وعيش الخصوصية وحقوق المخالف دينيا، وأصل العلاقة مع غير المسلمين في المنظور الإسلامي وفقه الملائمة والمجتمع الدولي.
كما ان الندوة قد أكدت على أن الوسطية مظهر من مظاهر الشريعة في جميع الجوانب، وهي أداة من أهم أدوات ضبط التجديد حذرًا من الإفراط والتفريط.
وفي ذات الوقت شددت على أهمية أن يتناول التجديد القضايا العامة لا مجرد القضايا الخاصة لأن الفقه يعالج الأمرين معا لا سيما القضايا السياسية، فلا بد من طرحها في المجامع الفقهية فضلاً عن غيرها.

الندوة الثانية عشرة (2013):
عنوان شامل وواسع في معناه حول (فقه رؤية العالم والعيش فيه – المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة) كونه يتناول رؤية العالم بشكل عام وكيف يكون العيش والحياة في هذ الكون بدون وجود قانون موحد ، لذلك لابد من التركيز في هذه الندوة على مفاهيم الاشتراك في الحياة بين المسلمين أنفسهم ومع غيرهم، في الوطن الواحد والعالم، من خلال الدراسات الفقهية المعمقة، والاجتماعية المكتسبة والتربوية النظرية والآراء المذهبية المقارنة.
من هذا الجانب تأتي أهمية الندوة باعتبار مصطلح العيش مطروحاً في ساحة العلاقات الدولية بين الشعوب كجامع لمفاهيم التقارب والحوار والتسامح من أجل تحقيق التقدم الكبير في محور العلاقات الإنسانية والدولية ولكي يؤطر هذا المصطلح بما يكفل استمراره وتحقيق الغايات منه في ظل الاهتمام المتوالي ب ، وبغية إزالة كافة الملابسات التي تعتري هذا المفهوم ودلالاته، ولأن التعايش هو السبب الحقيقي وراء اجتماع الفرقـاء، والهدف الأوضح والأقرب لبقاء الإنسان مدنيا يتفاعل مع الحياة والحضارة، ولان ما تشهده الساحة الإنسانية من هضم لحقوق الأقليات، والممارسات العنيفة ضدها في ظل غياب مفهوم التعايش الذي هو من نوازع الفطرة الإنسانية، كل هذه الأسباب وغيرها دعت الوزارة إلى اختيار هذا العنوان الدقيق حدث الساعة.
ولا ننسى ان الندوة قد أسهبت في ذكرها للمذاهب الإسلامية بجزء من موضوعها من خلال المذاهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والزيدية والامامية، كما تناولت قضايا العيش من خلال فقهاء الإسلام أمثال الشيخ محمد الجواهري،وابن عبد السلام والمدارس الفقهية كالاوزاعية،والظاهرية ،ومدرسة الليث بن سعد، كل ذلك لكي تكتمل دراسة هذا الموضوع من نواحيه المختلفة ومدارسه ومذاهبه ومنظماته ذات الصلة.
الجدير بالذكر أن ندوة تطور العلوم الفقهية صححت عبر مراحل تاريخها مفاهيم مغلوطة وأطلعت العلماء المشاركين على الفكر والفكر الآخر وأطرّت المواضيع ذات الصلة بالندوة في عنوانها الدقيق لكي تستقبل الساحة العلمية العالمية موضوع الحدث بشكل موضوعي هادف يحقق غاية الحراك الفكري والاجتماعي ويعكس التصور الإسلامي لما يدور حولنا والعالم مشاركة الحضارات الإنسانية رؤاها وطموحها.