أسئلة متنوعة في النذر وغيره
السؤال:
هل يندرج النذر للأشجار أو عيون المياه أو غير ذلك من النذور في دائرة الشرك الذي لا يغفر كما جاء في قول الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) (النساء:48) ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فلا ريب أن الله تبارك وتعالى هو الإله الواحد الذي يُقصد في الملمات ، ويطلب لقضاء الحاجات ، فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر، وهو المصرف لهذا الوجود ، وهو المدبر لهذا الكون ، ولذلك علّمنا سبحانه وتعالى أن نفرده بالاستعانة كما نفرد بالعبادة عندما قال عز من قائل:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة ـ 5) ، تعليماً لعباده كيف يوجهون الخطاب إليه سبحانه وهم يفردونه في توجيه العبادة إليه وفي استعانتهم به في جميع أمورهم ، ومعنى ذلك أن الإنسان كما لا يجوز له أن يعبد غير الله كذلك أيضاً لا يجوز له أن يستعين بغيره تبارك وتعالى .
وجاءت الآيات الكثيرة في كتاب الله سبحانه ناعية على المشركين الذين كانوا يتخذون مع الله آلهة أخرى فيتقربون إلى تلك الآلهة بالقرابين والنذور وغيرها ، ويشركونها في عبادة الله، ويعتقدونها وسائط بينهم وبينه ، فالله سبحانه وتعالى يقول:(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد ـ 16) ، ويقول سبحانه وتعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر ـ 38).
ونجد الآيات الكثيرة دالة على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرفع الضراء وهو الذي يبتلي من يشاء بما يشاء فقد قال سبحانه:(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة ـ 51)، وقال:(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر ـ 2)، وهكذا تتوالى الآيات لأجل أن تبلور العقيدة الصحيحة والفكر السليم الذي يصل بين العبد وربه سبحانه وتعالى من غير أن تكون بينهما واسطة ، وهذا يعني حرمة أن يتقرب الإنسان بنذر أو قربان أو أي شيء مما كان إلى غيره تعالى ، كأن ينذر لعين أو ينذر لشجرة أو لحجرة أو لأي شئ كان.
ونجد من العلماء من بنى حكمه على أن ذلك شرك بالله سبحانه وتعالى عندما قال بأن من فعل ذلك وعنده امرأة مسلمة صارت المرأة حراماً عليه لأنه في حكم المرتد عن الإسلام ، ومعنى ذلك أنها تخرج من عصمته إلا إن تاب ورجع إلى عقيدة الإسلام وتبرأ من هذه العقيدة الزائفة التي يعتقدها في الأشجار والأحجار وهذه الأمور كلها.
وأنا أعجب كيف لا يفكر هذا الإنسان في أن هذه الكائنات بأسرها لا تملك منفعة ولا دفع مضرة عن نفسها، فكيف تستطيع أن تحق لغيرها!.
لا يختلف اثنان من العقلاء أن النبي صلى الله عليه وسلّم هو أفضل مخلوقات الله سبحانه وتعالى ومع ذلك فإن الله تبارك وتعالى يقوله له:(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء)(الأعراف ـ 188)، هذا مع أن النبي (صلى الله عليه وسلّم) عندما أُمر بأن يقول ذلك كان إبّان حياته وملء ثيابه ، فكيف بغيره (صلى الله عليه وسلّم)، بل كيف بالأموات في القبور، وكيف بالشجار والأحجار .. وغيرها، فهذه القضية في منتهى البلاء.
هذا ومن المعلوم أيضا أننا علينا أن نعتقد بأن قول الله:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء ـ من الآية 48)، لا يعني تسويغ ما دون الإشراك، لا يعني تسويغ المعصية وأن المعصية التي هي دون الإشراك مغفورة ، فإن الله تبارك وتعالى قد قطع دابر هذه الأماني عندما قال:( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً)(النساء ـ 123)، وهو القائل ناعياً على أهل الكتاب هذا المعتقد الخاطئ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ)(الأعراف ـ 169).
وإنما هذه الآية الكريمة تكررت في سورة النساء مرتين، والسياق هو الذي يدل على معناها ويشخصه، فإنها مسبوقة في موضع واحد بقول الله سبحانه وتعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (النساء ـ 47) ثم تبع ذلك قوله:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء ـ 48)، وجاء ذلك أيضاً بعد قوله سبحانه وتعالى في نفس السورة:(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء 115 ـ 116) ، فمعنى ذلك إذاً أن هذه دعوة إلى الدخول في الإسلام.
فالله تبارك وتعالى لا يغفر الشرك ولو تاب الإنسان من أي معصية من المعاصي ، إنما تغفر المعاصي كلها إذا تاب المشرك . فإلإسلام جَب لما قبله .. فهذه دعوة للدخول في الإسلام ، مع تبشير الذين يدخلون في الإسلام بأن ما سلف منهم من المعاصي إنما يغفر بدخولهم في الإسلام كما يقول سبحانه وتعالى:(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ) (الأنفال ـ 38) ، وهذا يعني على أي حال كما قلت أن هؤلاء الذين يتوبون من معاصيهم هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر لهم ما سلف مما هو دون الشرك بدون توبة لأن الإسلام وحده كاف لئن يجب ما قبله .
وبهذا يُجمع ما بين هذا النص والنصوص الأخرى التي تؤكد الوعيد الشديد على الكبائر وتأكيد أن المغفور له إنما هو الصغائر مع اجتناب الكبائر وعدم الإصرار عليها فالله تبارك وتعالى يقول:(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)(النساء:31)، والله تعالى المستعان.

السؤال:
الزوجة عندما تعلم أن زوجها قدّم قرابين للأشجار أو للمساجد ، عندما تعلم بهذه الحرمة واستمرت معه دون أن تنفصل عنه هل معنى ذلك أنها مكثت مع رجل حرام عليها؟
الجواب:
نعم إذا كان هو يعتقد هذا المعتقد الخاطئ الباطل ، يعتقد النفع والضر من قبل الشجرة أو الحجرة التي يتقرب إليها ، أو من قبل العين التي يقرب إليها النذور ، أو من قبل القبر أو صاحب القبر الميت ، أو قبل الجني الذي يتعلق به لقضاء حاجته فالله تعالى يقول ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجـن:6) ، ومثل هذا ما يصنعه جهلة الناس وعوامهم عندما يصابون بشيء بحيث يأتون ببخور يتقربون به إلى الجن يقولون إن كان لكم فخذوه وإن لغيركم فادفعوه إليهم أو فأبلغوهم إياه .