للأسف، ترامب يبدو يتحدث عن أعداد كبيرة من الأميركيين. ففي استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست/ ايه بي سي نيوز في مايو انقسم الناس بالتساوي تقريبا على مقترحه حظر المسلمين، بتأييد 43 في المئة من المستطلعين، ومعارضة 50 في المئة و7 في المئة لم يقرروا بعد.

يهل شهر رمضان هذا العام في وقت مشحون بالنسبة للمسلمين الأميركيين. فشهر الصيام بدأ قبل حوالي أيام ـ قبل قيام مواطن أميركي وُلد لمهاجرين أفغانيين بارتكاب أسوأ حادث إطلاق نار شامل في تاريخ الولايات المتحدة في نادٍ لمثلي الجنس في أورلاندو، وقبل رد فعل دونالد ترامب لهذه المأساة من خلال تكرار اقتراحه حظر الزوار المسلمين إلى الولايات المتحدة وإلقاء اللوم على المسلمين لفشلهم في وقف الهجوم. وفي الوقت نفسه، فإن إدارة أوباما تستعد لاستقبال أميركيين مسلمين بالبيت الأبيض للاحتفال بعيد الفطر للمرة الأخيرة.
يأتي احتفال البيت الأبيض بشهر رمضان هذا العام في الذكرى السنوية الـ20 لتقليد اعتمدته لأول مرة آنذاك السيدة الأولى هيلاري كلينتون في عام 1996 واستمر كل عام من قبل كل رئيس منذ ذلك الحين، سواء كانت الإدارة جمهورية أو ديمقراطية. وحدث أول إفطار موثق بالبيت الأبيض منذ أكثر من 200 سنة، عندما استضاف الرئيس توماس جيفرسون المبعوث التونسي سيدي سليمان مليميلي يوم الـ9 من ديسمبر، 1805، لمناقشة قضية القرصنة في البحر الأبيض المتوسط. وكان المبعوث أبلغه بصيامه رمضان، فأمر جيفرسون بإعادة ضبط موعد تقديم الطعام عند غروب الشمس حتى يتوافق مع العرف الإسلامي.
أصبح إفطار البيت الأبيض التجمع العام الأكثر أهمية في الولايات المتحدة الذي يضم أصوات المسلمين وغير المسلمين، وتم استخدامه من قبل ثلاثة رؤساء لتعزيز الوحدة بين الأديان والتفاهم المتبادل. وفي أعقاب الحادث الفظيع في نهاية الأسبوع الماضي في أورلاندو، صار الاحتفال أكثر أهمية من أي وقت مضى لمساعدة الأميركيين على فهم الوجه الحقيقي السلمي للإسلام.
ولكن من الصعب أن نتصور أن الرئيس ترامب سيواصل هذا التقليد ـ وبالنسبة لهذا الأمر، فإنه من الصعب التفكير في أي المسلمين الذين سيوافقون على حضور الاحتفال لو حصل. إذا فاز ترامب بالانتخابات في نوفمبر المقبل، فهل يمكن أن يكون هذا آخر إفطارات البيت الأبيض لسنوات قادمة؟
يقدر عدد المسلمين بحوالي 3.3 مليون مسلم يعيشون في الولايات المتحدة، يمارسون عبادتهم في نحو بعض 2500 مسجد منتشر في جميع الولايات الـ50. وهناك حوالي 1000000 مسلم أميركي لهم حق التصويت، ويمارسون تأثيرا قويا في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وأوهايو وفرجينيا.
لا شيء من ذلك منع ترامب من نشر الخطاب الذي يستهدف عقيدتي وهو، في أحسن الأحوال، ما يثير توجسا عميقا. وحتى الآن، تعهد ترامب بالنظر بجدية في إغلاق المساجد ووضع أخرى تحت المراقبة، ووعد بإصدار بطاقات هوية خاصة بالمسلمين؛ وناقش إنشاء قاعدة بيانات اتحادية لتتبع ورصد المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة؛ وبطبيعة الحال، منع كل المسلمين من دخول الأراضي الأميركية.
مع انتشار أنباء هجوم أورلاندو، كان رد فعل ترامب المطالبة بتقويم "الإرهاب الإسلامي" وتكرار دعوته لحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة على الرغم من أن القاتل كان مواطنا أميركي المولد مع عدم وجود صلات معروفة بالمتطرفين أجانب. ثم ما لبث أن قام بتوسيع الحظر ليشمل جميع البلدان التي لها تاريخ في ارتكاب العنف ضد الولايات المتحدة وحلفائها ـ وهو تصنيف يشمل تقريبا العالم بأسره. ودون ذكر أي دليل، اتهم ترامب أساسا المسلمين الأميركيين بالخيانة، زاعما أنهم يتآمرون بشكل روتيني مع المتطرفين لإيذاء الأمة، ويتسترون على الإرهابيين المحتملين من السلطات ويعرقلون تحقيقات مكافحة الإرهاب الاتحادية. ونحا ترامب إلى إلقاء اللوم على الرئيس أوباما و"دوافعه الخفية" للمجزرة، وقال إن كل من يعارض الحظر لا يمكن أن يكون صديقا لمجتمع المثليين، معتبرا أن "بيت القصيد في السبب الوحيد لوجود القاتل في أميركا في المقام الأول هو لأننا سمحنا لعائلته ان تأتي إلى هنا."
للأسف، ترامب يبدو يتحدث عن أعداد كبيرة من الأميركيين. ففي استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست/ ايه بي سي نيوز في مايو انقسم الناس بالتساوي تقريبا على مقترحه حظر المسلمين، بتأييد 43 في المئة من المستطلعين، ومعارضة 50 في المئة و7 في المئة لم يقرروا بعد. وبوضوح، أضر صخب ترامب المعادي للأجانب بالمسلمين ومكانتهم في أميركا. على سبيل المثال، أظهر تقرير نشر مؤخرا من قبل مركز جامعة جورجتاون للتفاهم الإسلامي المسيحي زيادة ملحوظة في أعمال العنف ضد المسلمين في الولايات المتحدة تزامنا مع حملة عام 2016، كما جاء في دراسة مماثلة باستخدام بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي.
هذا هو بالضبط ما يجعل احتفالات البيت الأبيض بالإفطار ذات قيمة. وباعتباري مسلما أميركيا ومن المهاجرين، وقد حضرت العديد من الإفطارات بوزارة الخارجية، أعلم علم اليقين مدى قيمة انفتاح الولايات المتحدة الرسمي على المسلمين في الداخل والخارج. لذا يجب أن تبقى هذه التدابير عنصرا أساسيا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة للمضي قدما. والآن ومع اقتراب العقد الثالث لي في هذا البلد ـ وخاصة الآن، في أعقاب مجزرة أورلاندو ـ أنا مقتنع بأن ذلك لا يوجد مكان للانقسامات الكاذبة بين الأعراق والأديان في بلدي الثاني. والآن وإلى الأبد يجب اعتبار أطفالي الصغار متساوين في الحقوق والكرامة وبموجب القانون، بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض.
أما ترامب، إذا أردنا أن نصدق كلامه، فيرى بوضوح خلاف ذلك. الرعب الذي حدث في أورلاندو يؤكد سعي تنظيم "داعش" شن حرب دائمة على الولايات المتحدة وقيمها، وذلك كجزء من انحرافاته عن تعاليم ديني. وقد تعهد ترامب إذا ما انتخب رئيسا بإعطاء هذه المنظمة الإرهابية الدنيئة ما تريده بالضبط. علينا في رمضان هذا العام، أن نأمل أن لا تسنح له الفرصة بذلك.

محمد المنشاوي
مدير مكتب واشنطن لشبكة التلفزيون العربي وكاتب عمود في صحيفة الشروق المصرية
خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز – خاص بـ"الوطن"