[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” سبق أن مهد بعض المنسلخين لهذا السقوط بالإشادة بكل مظاهر التفكك الأسري والتسويق لكل الفواحش وتعويد الناس على الشاذ والمنحرف من التفكير والسلوك باسم حرية الحياة الشخصية وحرية المعتقد حتى سمعنا من فنان كنا نثق فيه كلاما غريبا يؤكد أن كل الأندلس المسلمة كانت مثلية !! أي ورب الكعبة حرفيا!”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ ايام انتصبت محكمة تفتيش تونسية في إحدى الفضائيات.. لمحاكمة القرآن رغم أن "قضاتها" لم يدركوا أنها محكمة أحالوا عليها ملف قضية غايتها إدانة القرآن دستور الحضارة الإسلامية ومنظم حياة مليار و نصف من البشر ويعتبره الشرفاء من كل الأديان منذ 15 قرنا حمال حضارة و علوم وتسامح وسلام.إصدار الحكم على ماذا ؟ لا فقط على وزير الشؤون الدينية التونسية وهو أستاذ فاضل اتفق مع وزير التربية على إنجاز برنامج تربوي لتحفيظ ما تيسر من كتاب الله لأبناء تونس المسلمة العربية كما ينص الفصل الأول من كل دساتيرها منذ دستور بورقيبة الى دستور ما بعد الثورة. في الحقيقة لم نكن لنبلغ هذه الدرجة من السقوط الحضاري لولا مسارات متعاقبة من الردة الأخلاقية والانتهازية السياسية انطلقت في أعقاب الثورة لتستعيد قلاعها المفتوحة وترمم أطلالها المدمرة وتتقدم نحو مواقع القرار فتدلس التاريخ وتدعو الشعب لفقدان الذاكرة مستندة على ظاهرة الإرهاب وهو مدان من الجميع بل إن الإرهاب لم يخل منه أي دين و لم تنج منه أية حضارة. نحن المسلمون لم نوصم المسيحيين بالإرهاب حتى بعد حربين عالميتين في ظرف نصف قرن بين أمم مسيحية تقاتلت لأسباب تهم أوروبا و ذهب ضحية الحربين حوالي 100 مليون من البشر. منذ 1914 بدأت الحرب باستعمال الغازات الخرذلية القاتلة وانتهت في6 أغسطس1945 بإبادة مدينتين عامرتين في اليابان (هيروشيما وناجازاكي) بالقنابل النووية. مئات الآلاف من اليابانيين ماتوا ومئات الآلاف من نسلهم تشوهوا بعدهم بالإشعاعات النووية و رغم ذلك لم نقل إنه إرهاب مسيحي. بل شرح مؤرخونا هذه المجازر الرهيبة بالانحراف النازي الهتلري و لم ننسبه للدين المسيحي كما لم ننسب للدين المسيحي إبادة السكان الأصليين للقارة الأميركية رغم أن رجال الكنيسة هم الذين يباركونه و يعمدون القتلة (آخرهم بابا الأرتدكس الروس الذي بارك جنود بوتين في موسكو وهم في طريقهم لقصف المدن السورية بل أطلق على قصفهم اسم الحرب المقدسة أي تماما كما أعلن البابا يوربان الثاني الحروب الصليبية سنة 1095 ضد المسلمين !!). كما لم ننسب حروب إبادة المسلمين أثناء العهود الاستعمارية للدين المسيحي وقد بلغ بالاستعمار أن أحرق الجنرالان (بيليسييه) و (بيجو) قرى جزائرية كاملة بمن فيها وفي فيتنام في السبعينات أحرق الأميركان المسيحيون بقنابل النابلم نصف الفيتنام ودك الروس مدينة (غروزني) بمسلميها كما قتل البوذيون المسلمين بعشرات الآلاف في بورما ومثلهم فعل المسيحيون الأفارقة في إفريقيا الوسطى ولم ننعت لا الديانة البوذية ولا دين عيسى بالإرهاب! وقس على ذلك ما فعله غلاة الصهيونية باسم الديانة اليهودية في فلسطين من حروب إبادة للأبرياء ولم نقل أن إرهابهم ينتمي إلى دين موسى عليه السلام بل اتهمنا التطرف الصهيوني وهو سياسي لا ديني. لكننا نرى اليوم بعض المتكلمين العرب أيتام الحضارة ينعتون الإسلام بالإرهاب ويصفون مظاهر الإرهاب بكونها (الفاشية الإسلامية) يروجون لعبارة (إسلامو فاشيست) لا تنديدا بالإرهاب وهو مدان طبعا ولكنهم بتحايل وتدليس ودهاء يربطون في أذهان الرأي العام ديننا الإسلامي الحنيف بالإرهاب بلا استئناف و لا نقض. وسبق أن مهد بعض المنسلخين لهذا السقوط بالإشادة بكل مظاهر التفكك الأسري والتسويق لكل الفواحش وتعويد الناس على الشاذ والمنحرف من التفكير والسلوك باسم حرية الحياة الشخصية وحرية المعتقد حتى سمعنا من فنان كنا نثق فيه كلاما غريبا يؤكد أن كل الأندلس المسلمة كانت مثلية !! أي ورب الكعبة حرفيا! بما فيها من قرطبة وغرناطة واشبيلية ومالقة وبما فيها من علوم نقلتها أوروبا لصناعة نهضتها في القرن الثالث عشر وبمن فيها من ابن رشد للفلسفة والإمام القرطبي للفكر وعباس بن فرناس للطيران وابو القاسم المجريطي للطب والكيمياء ومحمد بن الحارث للجغرافيا والزهراوي للصيدلة وابو عبيدة للفلك وابن البيطار لعلم النبات! كل هؤلاء مثليون شواذ! و لعل أهم ما غاب عن هؤلاء أن الغرب نفسه الذي يتخذونه مثلا أعلى شرع منذ عقود يعيد النظر في نمط تقدمه المادي. ويا ليت هؤلاء استمعوا لضيفهم المفكر عالم الاجتماع الفرنسي الشهير (إدغار موران) الذي زار بلادنا منذ أسابيع لكان ذكرهم بما كتبه من ارتباط التقدم الحقيقي بالحداثة الأصيلة لا الحداثة الدخيلة وهو الذي يعتقد أن لكل أمة جينات حضارية تنهض بها ولا تنهض بغيرها وهو الذي كتب في كتابه:
AU RYTHME DU MONDE (على إيقاع العالم) نشر مؤسسة (بريس دي شاتليه) صفحة 458 حرفيا :" لا تظنوا أن التنمية تكمن في اتباع نمط الغرب كأنه النمط الحصري بل التنمية هي أن تنطلقوا من خصوصياتكم و تقاليدكم الثرية لأن الغرب إذا استوردتموه كحل لمشاكلكم سوف يحمل لكم معه أزماته وإحباطاته " وهذه المبادئ هي نفس مبادئ جدنا عبد الرحمن بن خلدون منذ خمسة قرون حين صنف الأمم إلى غالبة ومغلوبة وسالبة و مسلوبة. واقرأوا أيضا ما كتبه ضيفكم في نفس كتابه صفحة 471:
الغرب هو الذي ابتكر الاستبداد وسحق الثقافات الأخرى وهو الذي أنتج التوحش النازي والفاشي والشيوعي وقمع الشعوب بالاستعمار والعبودية في حين أن الإسلام هو الذي احتضن كلا من المسيحيين واليهود بروح التسامح وإحترام الأديان الأخرى.
و في ص 378 كتب : "علمنا التاريخ أن المسلمين احتضنوا المسيحيين واليهود في الأندلس و في الخلافة العثمانية وأن الإسلام شكل أعظم حضارة في بغداد العباسية".
كيف بالله ينصف هذا العالم الفرنسي الكبير ديننا ولم يقرأه الحداثيون الذين دعوه لبلادنا بينما نحن ننسف أصوله بقضايا مغشوشة من نوع كلام تلك السيدة في برنامج حواري: (من قال لكم أن أولادنا مسلمون!!)