[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” القائد هو محترف ثوري, رغم أننا أصبحنا في زمن بعيد عن ألق الاحتراف الثوري المعروف, بكل معانيه, وللأسف المجهول حتى من معظم غالبية من يدّعون الاحتراف الثوري! نعم, الثورة لا تنتصر بكثرة القياديين فيها, كما هو حاصل حاليا. الجواب على كل المظاهر الخاطئة أدركه ويدركه الشباب ( بالطبع الشباب والشابات) الفلسطينيون في حاضرنا والذين يسيقون كل قياداتهم!”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثورة بحجم الثورة الفيتنامية, التي غيّرت وجه التاريخ الحديث, من خلال تعميم قوة مبدأ التحدي, رغم الفوارق الهائلة في موازين القوى, هذه الثورة لها قادة قليلون أبرزهما هوشي منّه والجنرال جياب. الثورة الكوبية لها قادة قليلون هي الاخرى من أبرزهم: فيديل كاسترو, تشي غيفارا, كاميليو سينفيجوس, راؤول كاسترو وخوان الميدا. رائدهم جميعا ورائد ثورتهم هو زعيم استقلال الشعوب في أميركا اللاتينية في كل مراحلها خوسيه مارتيه, الفيلسوف والشاعر والمنظّر الثوري, الذي أدرك حقيقة ومستقبل الإمبريالية الاميركية منذ أواسط القرن التاسع عشرة.
أما في ثورتنا الفلسطينية ( وكاتب هذا السطور, فلسطيني انضم للثورة منذ بداياتها, وعاني ويعاني همومها وفي كل مراحلها ودخل معتركاتها, فلن يستطيع أحد المزايدة عليه) فالقادة كثيرون!. منهم من ابناء الأمس, الذين ما إن انضموا للثورة حتى أصبحوا قادة وقياديين. إن هذا تسخيف فعلي لمعنى القيادة, وبخاصة المدّعية الثورية. في حالتنا الفلسطينية. وعندما تسأل عن الرصيد الثوري لمعظمهم, تجده عاديا بسيطا! أليس هذا تسخيفا مضاعفا لمفهوم القائد, وتفاصيل القيادة ؟. حيث يستوي القادة التاريخيون في النضال الفلسطيني وهم معروفون ولا حاجة لذكر أسمائهم, مع الذين جاءوا بالأمس!.
الوقوف أمام الميكرفون والصراخ, لا يصنعان من الفرد قائدا! وإنما ما يصنعه, قدرته غير الطبيعية (ميّزاته) النضالية, ونظرته الاستراتيجية لمستقبل الثورة , وخطته العملية في كل مرحلة نضالية في المجال المحدد, بالشكل الذي يخدم فيه الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليه الثورة. القيادة وفقا لـ "جاك ويلش" تعني: قبل أن تصبح قائداً، عليك النجاح بكل شيء يعمل على إنماء ذاتك, وعندما تصبح قائداً، عليك النجاح بكل شيء لتنّمي شخصية الآخرين. أما"بيتر دراكر" فيرى شخصية القائد, بأنها تتجاوز حدود الطبيعة.أما العظيم "أندريه مالرو" الذي كان قريبا من الرئيس ديجول, فيحذّر قائلا: إن من أخطر الأساطير التي تتحدث عن القيادة هي ولادة الزعماء فمن قبل توليك القيادة يتوجب عليك أن تخدم أولا.يجب أن تخدم أولاً.
القيادي يمتاز بوعيه النظري وبمسلكيته النضالية الصادقة والغاية في الشفافية, وليس من تلك التي سادت في بداية الثورة (التباهي بلقب "أبو الجماجم", وعلى شاكلة ذلك قس)!. القيادي يمتاز بصدقه ومآثره, التي يكون فيها قدوة للآخرين وبتواضعه الجمّ, والجمع بين الصلابة (في كل المواقف حيث يقتضي ذلك, وبخاصة السياسية) والليونة أيضا حيث يقتضي الأمر في كل ما هو إنساني. القائد ليس الذي يتصنع التجهم تعابيرا قَسَماتية يحاولُ إضافتها إلى ثنايا وجهه, ليظهر قائدا جدّيا وثوريا!. هذه المظاهر المُكتَسبة في زمننا( كما في كل مراحل الثورة..لا تصنع من الإنسان قياديا). القيادي هو أولا وأخير إنسان, قبل أن يُطلق عليه(خظأ أو صوابا هذ اللقب). وإن لم يكن إنسانا قبل ان يكون مناضلا, فسيظل فاشلا. القائد لا يتعامل على قاعدة "رد الفعل" ولا يعمل على حفر المهاوي لرفاقه, وصولا حتى إلى التعريض بهم والتسبب بسَجنهم, بكل ما في هذه الكلمة من معاني ثأرية انتهازية قميئة وسخيفة, هذه التي لا تضرّ ولا تسيء سوى لمسببيها!. القائد بعيد عن الانتهازية والنفاق, وتبجيل "الأنا", والاستهانة بقدرات الآخرين.
القائد هو محترف ثوري, رغم أننا اصبحنا في زمن بعيد عن ألق الاحتراف الثوري المعروف, بكل معانيه, وللأسف المجهول حتى من معظم غالبية من يدّعون الاحتراف الثوري! نعم, الثورة لا تنتصر بكثرة القياديين فيها, كما هو حاصل حاليا. الجواب على كل المظاهر الخاطئة أدركه ويدركه الشباب ( بالطبع الشباب والشابات) الفلسطينيون في حاضرنا والذين يسيقون كل قياداتهم! حين يحمل الواحد منهم سكينه وينطلق نحو الجندي المحتل والغاصب, وهو يدرك أنه سيستشهد! ومع ذلك يذهب مختارا.
يا ترى: لو قارن كل قيادي فلسطيني نفسه بواحد/ واحدة من هؤلاء! فسيعرف حقيقة نفسه. الثورة ليست منصبا, ولا إعلاما, ولا ارتزاقا! كثيرون يحرصون على تزنير أسمائهم بالمناصب التي يحتلونها كي يتزينوا بها! بمعنى انهم يشعرون في دواخلهم بدفء كلمات الكرسي, لكنهم في ذات الوقت يشعرون في دواخلهم بالتقص. بينما المتوجب ان تتزيّن الكرسي بصاحبها...فشتان بين ان تكون الكرسى أوسع من صاحبها أو أن تضيق عليه. كثيرون في زمننا عُرضت المناصب عليهم في أوقات مبكرة جدا من حيواتهم, وفي بعض الأحيان عُينوا فيها, أو جرى ترشيحهم لها, وانسحبوا منها طائعين, لا انفكاكا من مهمات ولا عن ضعف نظري أو مسلكي نضالي, ولا هروبا, بل لأنهم فقط يدركون حقيقة ما تعنيه المناصب. كثيرون حدّثوني عما حصل معهم في حركاتهم وتنظيماتهم.