من صفات المتقين ما ذكره الله تعالى في قوله سبحانه:(والذين يؤمنون بما أنزل غليك وما أنزل من قبلك).
أيها القراء الأعزاء: يجيء ذكر الإيمان بالكتب السماوية في القرآن في صيغة الأمر تارة وصفة للمؤمنين تارة أخرى، كما يجيء عدم الإيمان بالكتب المنزلة أو الإيمان ببعضها دون البعض الآخر علامة على الكفر تارة ثالثة.
فمن أمثلة الأمر قوله تعالى:(قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(البقرة).
كما جاء في صيغة مشابهة له في سورة آل عمران قال تعالى:(قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
تعريف الكتب: الكتب لغة: جمع كتاب بمعنى مكتوب، والكتب صحف ضم بعضها إلى بعض، والكتاب مصدر سمي به المكتوب، وهو في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيها.
أما تعريفها شرعاً فهي: الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة للخلق، وهداية لهم، ليخرج بها من يشاء من الظلمات إلى النور، وقيل: هي كلام الله أوحى بها إلى رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ عن طريق جبريل ـ عليه السلام ـ وذلك ليبلغوه للناس ليكون حجة لله على خلقه.
الإيمان بهذه الكتب إجمالاً: لقد أوجب الله تعالى الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها على رسله، ما ذكرها لنا في القرآن الكريم وما لم يذكرها لنا وذلك على السواء، نؤمن بها أنها كلام، تكلم بها حقيقة كما شاء، وعلى الوجه الذي أراد.
والإيمان بهذه الكتب ركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بها قال تعالى:(ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه ولمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)(البقرة)، وحديث جبريل المشهور حين سأله عن الإيمان، قال:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)، ثم إن الكتب السماوية كلها تحتوي على حقيقة واحدة هي الأمر بعبادة الله وحده.
الإيمان بما سمي لنا من هذه الكتب على وجه الخصوص: يجب أن نؤمن بهذه الكتب السماوية ومن الإيمان أن نؤمن بما سمي لنا منها على وجه الخصوص: كالتوراة والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، قال تعالى:(الله لا إله إلا هو الحي القيوم، نزل الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل والقرآن، مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام)(آل عمران)، وقال تعالى:(إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صحف إبراهيم وموسى) (الأعلى) ،أما ما لم نعلم اسمه من هذه الكتب فنؤمن به إجمالاً.
أهمية الإيمان بالكتب السماويّة: إنّ لإيمان المسلم بالكتب السّماوية أهميّةً كبيرةً، منها: أنّ إيمان المسلم بالكتب السّماوية يعتبر ركناً من أركان الإيمان، لأنّ الإيمان لا يتمّ إلا بذلك، أنّ الإيمان بالكتب السّماوية دليل على وحدة الرّسالات الإلهيّة، ودليل كذلك على أنّ الإسلام هو الجامع لكلّ هذه الدّيانات، واعتبار أنّ المسلمين هم أولى النّاس بقيادة البشريّة، وذلك طبقاً لمنهجيّة الإسلام، والمسلم يؤمن تماماً أنّ أهل الكتاب لديهم أساس وأصل لدينهم، وبالتالي يجعل ذلك أهل الكتاب قريبين من الإسلام والمسلمين، قال سبحانه وتعالى:(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)(الشورى).
إنّ الإيمان بالكتب السّماوية يعتبر جزءاً من إيمان المسلم بالقرآن وبالله سبحانه وتعالى، وبأنّ هديه لم ينقطع عن البشريّة، وبأنّه قد أرسل في كلّ أمّة رسولاً، قال سبحانه وتعالى:(وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِير)ٌ.
إنّ الإيمان بالكتب السّماوية يشتمل على إيمان المسلم بالقرآن، وأنّه سليم وخال تماماً من أيّ تحريف أو تزييف، فالقرآن الكريم جاء مصدّقاً للكتب السّماوية السّابقة، ويعتبر المرجع الوحيد لتحديد الحقّ وبيانه، قال سبحانه وتعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عليه)(المائدة).
إنّ الإيمان بالكتب السّماوية يُشعر المسلم بوحدة البشريّة، ووحدة الأديان، ووحدة الرّسل والمصدر، وبالتالي فإنّ الإسلام يعتبر ميراثاً لكلّ العقائد السّماوية منذ بداية البشريّة.
إنّ الإيمان بالكتب السّماوية يجعل روح المسلم نقيّةً من كلّ تعصّب اتجاه الدّيانات الأخرى، وضدّ من يؤمنون بالدّيانات.
ثمرات الإيمان بالكتب:
1 ـ لعلم برحمته تعالى وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم إلى به.
2 ـ ظهور حكمة الله تعالى، حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها، وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم مناسباً لجميع الخلق في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة.
3 ـ شكر نعمة الله على ذلك.
4 ـ إن القرآن الكريم قد أخبرنا عنها، وخبره حق وصدق يجب الإيمان به، ومن كذب به فقد كفر.
5 ـ معرفة أن هدى الله لم ينقطع عن البشر من وقت وجودهم على هذه الأرض إلى اليوم، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة، وذلك يدل على أن هذا القرآن ليس بدعا من الكتب الإلهية، كما أن الرسول ليس بدعا من الرسل.
6 ـ إقامة الحجة على أهل الكتب السابقة بما ثبت فيها من صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

إعداد ـ محمد عبد الظاهر عبيدو
إمام وخطيب جامع محمد الأمين