محمد الأمين:
أبرز ما يمكن أن يكون ميداناً للتجديد هو قراءة النصوص والمفاهيم الإسلامية التي تتغير من مرحلة إلى مرحلة ومن عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى مجتمع

التجديد لا يمكن أن يطول القيم الأساسية والمبدأية والثابتة للدين، وإنما يطول الجوانب القابلة للتغيير والتطور

دمشق ـ من وحيد تاجا:
قال سماحة العلامة محمد حسن الامين ـ أحد العلماء المعروفين والمشهورين بجمهورية لبنان: إنّ التجديد في الفكر الإسلامي يطول الفكر، وليس الدين نفسه، أي القراءة التي تحاول أن تستلهم النص الديني في ثوابته الأساسية، ولكن في الوقت نفسه أن تضفي على هذه القراءة روح العصر التي تتم فيه هذه القراءة، وبالتالي يصبح لكل عصر، ولكل مرحلة سماتها المميزة لقراءة النص الإسلامي.
واشار سماحته في لقاء مع (الوطن) الى إنّ ثبات النص لا يعني ثبات قراءة هذا النص، أي إنّ هذا النص الذي يكون ثابتاً ومقدساً لا تكون قراءته ثابتة ومقدسة، مؤكداً في الوقت نفسه انه لا يمكن أن نفصل موضوع الاجتهاد عن موضوع التجديد.
مشيراً الى انه لا يمكن حصر الاجتهاد في مجال واحد من المجالات، فالاجتهاد مبدأ فكما أن الاجتهاد ممكن عندما نقرأ النص القرآني، فانه هذا الأمر ينسحب كذلك على النص النبوي الشريف.
معروف أنكم من دعاة التجديد في الفكر الإسلامي، فما المقصود بالتجديد؟
إذا جاز لنا أن نتكلم عن التجديد في الفكر الإسلامي، وهو شأن يصح الكلام فيه، فمن الواضح أنّ التجديد هنا يطال الفكر، وليس الدين نفسه، لأن الدين كما هو مرتكز في أذهاننا جميعاً ثابت في عناصره الأساسية والجوهرية، وفي نصوصه الثابتة، وبالتالي فإنّ التجديد لا يمكن أن يطول القيم الأساسية والمبدأية والثابتة للدين، وإنما يطال الجوانب القابلة للتغيير والتطور، وأبرز ما يمكن أن يكون ميداناً للتجديد هو قراءة النصوص الإسلامية، وقراءة المفاهيم الإسلامية التي تتغير من مرحلة إلى مرحلة، ومن عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى مجتمع، على نحو يكون التجديد فيه هو القراءة التي تحاول أن تستلهم النص الديني في ثوابته الأساسية، ولكن في الوقت نفسه أن تضفي على هذه القراءة روح العصر التي تتم فيه هذه القراءة، وبالتالي يصبح لكل عصر، ولكل مرحلة سماتها المميزة لقراءة النص الإسلامي، وهذا أمر طبيعي.
موضحاً بأننا نحن نعرف أنّ القرآن الكريم، وهو النص المنزل في الإسلام، لم ينزل وفق العقيدة الإسلامية ليخاطب المسلمين الأوائل الذين عاشوا في عصر نزول النص فحسب، إنما نزل ليخاطب ذلك العصر، وما يليه من عصور حتى آخر الزمان، وإذا صحّ هذا التعبير فهذا يفترض بالضرورة ألاّ تُستنفد قراءة القرآن في عصر واحد، وأن تكون هذه القراءة ممكنة في العصور كلها، وهذا يعني أنّ الفكر الإسلامي هو فكر متغير، وإن كان النص الإسلامي نصاً ثابتاً.
وحول المقصود بالفكر الإسلامي قال: كل ما ينتجه الفكر انطلاقاً من العقيدة الإسلامية هو فكر إسلامي بطبيعة الحال، بمعنى المسلم الذي يؤمن بالإسلام عقيدة، ويفكّر وينتج نصوصاً ذات علاقة بالفقه أو الحديث أو التفسير أو بالفلسفة أو بالاجتماع الإسلامي، أوفي القانون، أوفي أي مجال من المجالات، فإذن هو يعمل في نطاق فكر إسلامي، وفي إطار رؤية إسلامية، هذا ما أعني به عندما أقول: الفكر الإسلامي، أما المقصود بالنص الإسلامي فهو النص القرآني، والنص الثابت صدوره عن الرسول، فهذه النصوص التي تتسم بعنصر الثبات من حيث النص، ولكنها تخضع للفهم المختلف أوالمتغير من حيث معناها، ومن حيث انطباقها على الأحداث، أومن حيث انطباقها على الرؤية التي نراها نحن.
ويمكن أن ألخّص فـأقول: إنّ ثبات النص لا يعني ثبات قراءة هذا النص، أي إنّ هذا النص الذي يكون ثابتاً ومقدساً لا تكون قراءته ثابتة ومقدسة، فالجيل الأول من المسلمين عالج النصوص القرآنية ونصوص السنة النبوية،ضمن نمط معرفي مشتق من عصره، وبالتالي استطاع أن ينسج أدبيات حول هذا النص كانت معبّرة عن النص من جهة، وعن عصر النص من جهة أخرى .. وهكذا فإنّ عصرنا يمكن أن ينسج حول هذه النصوص مفاهيم معبّرة عن النص وعن عصرنا نحن، والتجديد يقع في هذا الإطار.
هل يمكن القول: إنّ التجديد هو الاجتهاد؟
لا يمكن أن نفصل موضوع الاجتهاد عن موضوع التجديد، نعم من حيث المعطيات العادية لمفهوم الاجتهاد يمكن للبعض القول: إنّ الفقيه المعاصر بإمكانه أن يعتمد على القواعد والمصطلحات الفقهية التي كانت سائدة في بدايات القرن الرابع الهجري، ولكني أجيب على هذا القول بأنّ هذا شبه مستحيل، لأنّ الاجتهاد يتضمن معرفة بالمناهج، وبالقواعد التي تمّ انتاجها طوال هذه الفترة، أي منذ بدأت محاولات الاجتهاد إلى اليوم. فهذه لا بدّ من استعراضها، ولا بدّ من تمثّلها جميعاً لكي يشعر المجتهد بأنّه استطاع أن يتعرّف على أقوال الفقهاء، وعلى مناهجهم وطرائقهم، وبالتالي استطاع هو أن يقتنع بمنهج معيّن، أوبطريقة معيّنة، أوأن يبتكر منهجاً أوطريقة معيّنة، وبالتالي يوجد هناك مجتهدون محافظون إن صحّ التعبير، كما يوجد مجتهدون مجددون. وأنا أميل إلى القول بأنّ المجتهد لا بدّ بالضرورة أن يكون مجدداً بصورة أوبأخرى، وحتى المجتهدون المحافظون لا أعتقد أنهم محافظون بالمعنى الذي يجعل شخصيتهم غير مستقلة اطلاقاً إذ لو كانوا كذلك لما كانوا مجتهدين، وكان يمكن أن يكونوا مقلدين للسلف، أما أنهم اجتهدوا فلا بدّ أن يكون لديهم إضافات معيّنة مكّنتهم من الاجتهاد، ولكن هذا لا يعني أن تكون سمة بعض أنواع الاجتهاد هي المحافظة، وسمة بعضها الآخر هي سمة التجديد، وهذا التجديد تاريخياً في تاريخ الفقه، وفي تاريخ المعرفة الإسلامية، نلاحظ أنّه في كل مفصل من المفاصل توجد حركة اجتهادية ذات طابع تجديدي وثوري، وتوجد بعد ذلك حالة من التقليد لهذه الثورة الاجتهادية ما تلبث أن تنتهي بقيام ثورة جديدة في الاجتهاد، وهذه سنّة الفكر الإنساني، وسنّة المعرفة البشرية التي تنطبق على حقول المعرفة جميعها، ومن حقول المعرفة هذه الفكر الإسلامي، لأنه في النهاية مظهر من مظاهر المعرفة الخاضعة للتغيير والتجديد خلافاً للنص الإسلامي الذي هو نص ثابت.
من الأمور المطروحة على الساحة مسألة الاجتهاد في الحديث النبوي الشريف، فهناك من يرى أنّ المرجعية الأساسية هي القرآن الكريم. ما رأيكم بهذه المسألة؟ وما مدى الاجتهاد في الحديث النبوي؟ وما حدوده؟
لا يمكن أن نحصر الاجتهاد في مجال واحد من المجالات، فالاجتهاد مبدأ، وعندما يوجد فإنه يوجد في كل المجالات، فكما أن الاجتهاد ممكن عندما نقرأ النص القرآني فنقرأه ونستوحي منه، ونخرج بحصيلة معرفية، قد تكون غير مطابقة لنظر البعض بالنص تماماً، وهذا الأمر ينسحب كذلك على النص النبوي الشريف، فالحديث النبوي الشريف مادة من المواد التي تشكل موضوعاً من موضوعات القراءة الفقهية، والقراءة الإسلامية، وبالتالي فهو موضوع من موضوعات الاجتهاد. صحيح أنّ البعض يرى أنّ الاعتماد على النص القرآني يجب أن يكون أساسياً، ومقدماً على ما سواه، وقد يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فيقول إنه علينا بالقرآن، وما لنا بالأحاديث، لأنها غير قطعية الورود والثبوت. أن يذهب البعض إلى ضرورة التركيز على القرآن بدرجة أساسية، وعدم التركيز بالدرجة نفسها على الحديث النبوي الشريف لاعتبارات عديدة، نحن نقول: نعم، ونوافق على أنّ الأولوية للنص القرآني، أي ما وجدناه في القرآن نأخذه، ولكن إذا لم نجد في الآيات القرآنية أية ظاهرة واضحة في هذا الحكم فمن الطبيعي عندها أن نبحث في السنة النبوية، انطلاقاً من قول القرآن نفسه (وما آتاكم الرسول فخذوه) (الحشر ـ 7)، فلا بدّ من اعتبار أنّ سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسنته هي تطبيق للنص القرآني، أوتطبيق للآوامر الإلهية، وبالتالي اكتسبت صفة المصدر، ولا بدّ أن نعتبرها مصدراً. نعم في التعامل مع السيرة النبوية لا بدّ لنا من منهج يختلف عن التعامل مع النص القرآني، ذلك أنّ في السنة أحياناً أي في كلام الرسول أوفي فعله ما يوحي أنه كلام أوفعل أوتقرير له علاقة بشخصية الرسول كقائد في عصر معيّن، وفي حدث معيّن، وأنّ ما قاله هنا ينطبق على عصره، بمعنى أنه كان تدبيراً خاصاً، له صلة بظروفه عليه السلام. وأحياناً يصدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قول أوفعل يكون أوسع في مساحة عصره، ويمكن تطبيقه على العصور كافة، أي يصدر عنه بما هو نبي، وليس بما هو رئيس دولة. مثلاً: الرسول أقام مايشبه سلطة أوما يشبه شكلاً من أشكال السلطة في المدينة. فهل هذا الشكل ملزم للمسلمين اليوم؟ لا أعتقد هذا، وإنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) قام بتنظيم السلطة وفق متطلبات وحاجات عصره، بما يعني أنه اقترح المبادئ العامة في السلطة، ولم يطرح شكلاً نهائياً للسلطة، لأن هذا الشكل يجب أن يكون متغيراً بتغير الظروف والعادات، ومن هنا يمكن التمييز بين سنّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والنص القرآني الذي يخاطب البشر في كل العصور بالرغم من وجود خطاب في النص القرأني موجّه أحياناً للمسلمين في ذلك العصر، وهذا واضح ولا مجال للاختلاف فيه.