[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
التصعيد الأميركي الأخير الذي عبَّر عنه رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري بإعلان نفاد صبره وصبر بلاده تجاه الرئيس السوري بشار الأسد وتجاه روسيا الاتحادية لعجزها عن التحرك ضده، لا يكشف فقط حقيقة الدور الأميركي المتآمر والمتواطئ مع الإرهاب بل والشريك معه والمتحالف مع تنظيماته للإطاحة بالدولة السورية وتدميرها، وإنما يعكس ـ بناءً على وقائع الميدان ـ صريخًا ووجعًا أميركيًّا مما يحدث من هزائم متوالية واحتراق المزيد من الأوراق إلى جانب ما كان بيد واشنطن من أوراق سابقة تراهن عليها في تعديل الموازين على الأرض ومن ثم في السياسة، عبر العنوان الأميركي الفضفاض والفارغ من أي مضمون ومن أي جدية ومصداقية وهو "الحل السياسي" للأزمة السورية.
الصبر الأميركي الذي بدأت نيران الميدان تحرقه وتحرق قلوب أصحابه معه، عبَّر عن أسبابه العجوز كيري بكل وضوح ودون أدنى مواربة بقوله "روسيا يجب أن تدرك أن صبرنا ليس غير محدود، وهو محدود جدًّا فيما يتعلق بما إذا جرت محاسبة الرئيس السوري بشار الأسد". متَّهِمًا الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا بتطبيق اتفاق "وقف الأعمال القتالية" بسوريا بشكل انتقائي، قائلًا إن الحكومة السورية تحاول استعادة السيطرة على حلب.
ولعل سر نفاد صبر الكاوبوي الأميركي المتحالف مع الإرهاب والساعي إلى توفير مظلة شاملة لرعاية إرهاب ما يسمى "جبهة النصرة" يكمن في الجملة الأخيرة وهي "الحكومة السورية تحاول استعادة السيطرة على حلب"، وقد سبق و أكد الرئيس السوري في تصريحاته الأخيرة أن حلب ستكون "مقبرة لأحلام إردوغان". ويأتي الإصرار السوري على تطهير كل شبر من أرض سوريا من رجس الإرهاب الذي يرعاه ويدعمه معسكر التآمر والإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، وخوض الجيش العربي السوري وحلفائه معارك ضارية مع التنظيمات الإرهابية في ريف حلب الجنوبي، متزامنًا مع تقدم متسارع للجيش العربي السوري وحلفائه وتحت أنظار معسكر التآمر والإرهاب بقيادة واشنطن في شمال اللاذقية، حيث تمكَّن الجيش وحلفاؤه من استرداد عشر قرى في جبل التركمان، في حين كان معسكر التآمر وتنظيماته الإرهابية تحصد الهزائم، وحتى الذين راهن عليهم وسطا عليهم مثل ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" كانت نتائج خبرتهم القتالية فشلًا ذريعًا في اختبار تحرير الرقة، وهو ما دفع الكاوبوي الأميركي إلى أخذ من سطا عليهم وراهن عليهم إلى مدينة منبج، بينما الوفرة في الخبرة والكفاءة القتالية للجيش العربي السوري وحلفائه تعطي نتائج باهرة في الرقة وغيرها، وعلى وقع هذه الوفرة والخبرة والكفاءة التي تقترب من تطهير كل من حلب وإدلب يستمر منسوب صبر الكاوبوي الأميركي في النفاد.
الدبلوماسية الروسية الهادئة التي تعتبر الصبر الاستراتيجي غذاءها وهواءها، والتي يعد سيرجي لافروف وزير الخارجية أحد رموزها ومهندسيها، كان من المفترض هي التي تعلن نفاد صبرها جراء المراوغات والازدواجية والنفاق التي طغت ولا تزال على المواقف الأميركية من الأزمة السورية، وفي معرض تفسير الدبلوماسية الروسية لنفاد صبر كيري وإدارته وعلى لسان لافروف أعطت المزيد من الأسباب التي كان كيري وإدارته يتغطيان بها وهي أن موسكو لم تقدم لواشنطن أو لأي أحد أي التزامات أو وعود بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وفي مسألة تَعَثُّر عملية التسوية السلمية فواشنطن تتحمل مسؤولية رفض "المعارضة السورية" الجلوس إلى طاولة التفاوض، ورغم خروقات التنظيمات الإرهابية المدعومة من معسكر واشنطن للهدنة ورغم إيصال المساعدات الإنسانية إلى العديد من المناطق المحاصرة لكن لا تزال واشنطن ومعارضاتها تعرقل المسار السياسي، لدرجة أن ستافان دي ميستورا المبعوث الأممي إلى سوريا أكد عجزه عن إطلاق حوار سياسي بمشاركة جميع الأطراف السورية، للتعنت الأميركي ومعارضاتها وكل من في معسكرها. ليخلص رئيس الدبلوماسية الروسية إلى الكشف عن السبب الحقيقي والأكبر وراء الضجيج الأميركي المفتعل وهو السعي الأميركي لتعويم إرهاب تنظيم "جبهة النصرة" واستغلاله لإسقاط النظام الحاكم في سوريا، مؤكدًا لافروف بالقول "يتكون لدي انطباع بأن هناك لعبة ما تجري، وهم ربما يريدون الحفاظ على النصرة بشكل ما ومن ثم استخدامها لإسقاط النظام". موضحًا أنه مندهش من عجز الأميركيين في إجبار فصائل المعارضة التي يدعمونها على الخروج من المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين. مع أن كيري سبق وأن تعهد قبل ثلاثة أشهر بإخراج من تصفهم واشنطن بـ"المعارضين المعتدلين" من المناطق القريبة من مناطق سيطرة "جبهة النصرة" في غضون أسبوعين أو 3 أسابيع.
ولذلك مطالبة الوثيقة التي وقع عليها 51 دبلوماسيًّا منشقًّا في وزارة الخارجية الأميركية، منهم مسؤولون يشغلون مناصب محورية، بتوجيه ضربات على العاصمة دمشق وتغيير الحكومة السورية بالقوة العسكرية، وكذلك مطالبة الجنرال ديفيد جولدفين خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث تم تنصيبه رئيسًا لأركان القوات الجوية، بالسماح له بإسقاط الطائرات الروسية والسورية، تعكسان حجم الألم والوجع وقوة الصريخ للكاوبوي الأميركي وهو يرى انتقال أدواته الإرهابية التي راهن عليها من هزيمة إلى هزيمة وبالتالي احتراق الأوراق من يديه؛ لذا يبدو ـ في ظل ذلك وضيق الخيارات ـ الرهان الأميركي واضحا وفاضحا على إرهاب "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا. على أن ما جاء في وثيقة الدبلوماسيين المنشقين من مطالبة باستهداف دمشق، ومطالبة الجنرال جولدفين بإسقاط الطائرات الروسية والسورية يمكن أن يكون محل بحث واسع لدى الأميركية القادمة حيث الحماسة لدى كل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب والولاء الكبير لكيان الاحتلال الصهيوني يمكن أن يقودا إلى حماقات جديدة.