[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” تُحمل السياسة البريطانية عموما، واليمين البريطاني خصوصا، مسؤولية التراجع الاقتصادي إلى نظم الاتحاد وقوانينه، ويعزيان لها تأخر تطور وتقدم الاقتصاد البريطاني.
واستغل اليمين البريطاني هذا الأمر في الانتخابات كوسيلة للوصول إلى الحكم.
فمارجريت تاتشر قالت في ثمانينيات القرن الماضي: "لقد حاربنا من أراد حكمنا، فكيف لنا أن نقبل بأن نُحكم من قبل بروكسل؟"،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجري في المملكة المتحدة يوم 23/6/2016 الاستفتاء العام على البقاء في الاتحاد الأوروبي او الخروج منه.
هذا اليوم اشبه بيوم امتحان تاريخي.
اختبار حاسم على ضوء نتائجه يتقرر مصير المملكة والاتحاد الأوروبي، لما لها من تداعيات ودوافع ومسببات وبدايات..
وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد حدد هذا التاريخ مسبّقا لما كان قد وعد بالخروج من الاتحاد اذا لم يستجب الى شروط له كانت جزء من وعوده الانتخابية، مطالبا بالاستفتاء عليه عام 2017.
تسابقت قبل الوصول الى يوم الاختبار، كالعادة، استطلاعات الرأي، وتعكس صورا عن تنافس وضغوط اعلامية وتأثيرات مسبقة على الرأي العام ولمعرفة النتائج مبكرا ورسم سيناريوهات لما بعده والتحضر لها او الاستعداد الى ما تحمله من عواقب متنوعة وحسابات غير متوقعة احيانا.
وتقدم الاستطلاعات الأرقام والترجيحات وتنشر التحذيرات والمخاطر او الترغيب بما يريده كل طرف من الاستفتاء.
فقد رجح استطلاعان للرأي، نُشرت نتائجهما (16/6/2016)، فوز مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فأظهر استطلاع "ايبسوس- موري" الشهري تقدم مؤيدي الـ"بريكسيت" (الخروج من الاتحاد) بـ53% مقابل 47% لمؤيدي البقاء في الاتحاد، فيما أظهر استطلاع أجراه معهد "سورفيشن" أن مؤيدي الـ"بريكسيت" يتقدمون بـ52% مقابل 48% للذين يفضلون البقاء.
وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «يوغوف» البريطانية، قبله، (6/6/2016) أن أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقدموا بأربع نقاط على أنصار البقاء في الاتحاد.
حصل فيه مؤيدو الخروج، على 45% مقابل 41% لمؤيدي البقاء.
في حين أن 11% لم يقرروا موقفهم.
وأوضح استطلاع رأي لصحيفة الاندبندنت البريطانية أن حملة تأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي تتقدم بعشر نقاط على حملة تأييد البقاء.
بينما هناك غيرها يشير الى نتائج مخالفة.
وفي كل الحالات والاحتمالات جدد بنك انجلترا، البنك المركزي البريطاني، في بيان له تأكيده، أن الاستفتاء حول عضوية بريطانيا يشكل "أكبر خطر فوري" على الأسواق المالية البريطانية والعالمية، وأعلن عن إبقاء نسبة فائدته الأساسية بدون تغيير (0,50%).وحذر من مغبة "التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي"، باعتبار أنه "سيبدل، بشكل كبير، آفاق الانتاج والتضخم، وكذلك الإطار الذي وضعت فيه السياسة النقدية"، كما أن النمو البريطاني "قد يتراجع".وكتبت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، في مقال لها، من بين العديد من المؤسسات ورجال الأعمال والشخصيات العامة، عن تأييدها لبقاء البلاد في الاتحاد الأوروبي، محذرةً من أن الخروج "سيلحق ضررا كبيراً بالاقتصاد البريطاني".واعتبرت الصحيفة أن الكلفة الاقتصادية للخروج من الاتحاد ستكون "كبيرة جدا".وضخت المصارف الأميركية أموالا طائلة إلى فروعها في لندن، بهدف تمويل حملة دعائية مضادة للانفصال.
كما أعلنت العديد من الشركات المتمركزة في بريطانيا استعدادها "للقتال من أجل البقاء في الاتحاد".من جهتها جددت وزيرة الخارجية السويدية مارجريت فالستروم (16/6/2016) تحذيرها من عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، منوهةً إلى أن السويد يجب أن تستعد جيدا في حال أصبح هذا الأمر حقيقة واقعة، حيث يتعين حماية المصالح التجارية السويدية والشركات والمواطنين الذين يعيشون في المملكة المتحدة.
واعتبرت فالستروم أنه من غير الممكن تخمين العواقب الأكثر خطورة التي يمكن أن تحدث سواء بالنسبة للسويد والدول الأوروبية الأخرى أو لبريطانيا في حال خروجها من الاتحاد مثل العواقب الاقتصادية والعلاقات التجارية وقضايا السياسة الأمنية وغيرها من المسائل الهامة.
وأكدت على ضرورة العمل أكثر لجعل الاتحاد الأوروبي قوة هامة جدا من أجل إحلال السلام والأمن في أوروبا، والتأكد من أن الاتحاد هو قوة اجتماعية فعالة يمكن أن يساهم في خلق المزيد من فرص العمل.
كما عبر عن مثل هذا الرأي اغلب المسؤولين الاوروبيين، من اعضاء الاتحاد، وفي مقدمهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، بل وكشفوا بوضوح عن المخاطر الجدية التي قد تحدث او ربما تحدث في حالة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
تُحمل السياسة البريطانية عموما، واليمين البريطاني خصوصا، مسؤولية التراجع الاقتصادي إلى نظم الاتحاد وقوانينه، ويعزيان لها تأخر تطور وتقدم الاقتصاد البريطاني.
وأستغل اليمين البريطاني هذا الأمر في الانتخابات كوسيلة للوصول إلى الحكم.
فمارجريت تاتشر قالت في ثمانينات القرن الماضي: "لقد حاربنا من أراد حكمنا، فكيف لنا أن نقبل بأن نُحكم من قبل بروكسل؟"، وحتى رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون أعتمد هذه الإستراتيجية بهدف قيادة حزب اليمين البريطاني وبالتالي الوصول إلى رئاسة الوزراء.
رغم ما يتزعمه حاليا رئيس الوزراء، زعيم حزب المحافظين اليميني، من سياسة متناقضة مع مرجعيته، وربما وضع امامه مصير المملكة المتحدة، وما ترسمه النتائج من مخاطر جدية على وحدتها، وقد تبرز بعد الخروج من الاتحاد، وانعكاساته على اسكتلندا وايرلندا.
حيث حذّرت رئيسة الوزراء الاسكتلندية، نيكولا سترغيون بقولها ان الانفصال عن أوروبا سيكون بمثابة خرق لقوانين استفتاء العام الماضي، حين قال كاميرون إن بقاء اسكتلندا في المملكة شرط أساسي لحماية عضوية بريطانيا في الاتحاد.
وقد يلحق انفصال اسكتلندا، انفصالا إيرلنديا..
وهذا ما يترك اثاره على الاتحاد ايضا.
إذ اعتبر كبير الاقتصاديين في بنك دوتش، دايفيد فولكيرتس- لاندلاو، أن خروج بريطانيا سيحيل الاتحاد الأوروبي إلى قوة من الدرجة الثانية عالميا على المستوى السياسي.
وأضاف إن ذلك سيخلق أيضا خللا في التوازن بين القوى الأوروبية، وسيسمح لمحور فرنسا وألمانيا بالهيمنة على القرار.
وهذا ما اكده مصدر دبلوماسي أوروبي لوكالة الانباء الفرنسية إن "حملة الاستفتاء (البريطاني) ستكون في الواقع حول أوروبا، وفي كل أوروبا".كما إن معظم النخب السياسية والتجارية الالمانية ودعاة تحرير الأسواق لن تكون سعيدة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتبقى أولوية برلين بالتأكيد الحد من مخاطر تأثير "عامل الدومينو"، الذي يمكن أن يؤدي إلى انسحاب بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي، والدفع بالسوق الموحدة إلى حالة من الفوضى، وربما التفكك ونهاية الحلم الأوروبي.
مع العلم أنه في حال كانت النتائج لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد، فإن هذا لن يحدث مباشرة، وإنما سيستغرق الأمر على الأقل عامين، تستمر خلالهما بريطانيا في تطبيق قواعد الاتحاد.
وقد تأخذ زمنا اضافيا اخر وفق العقود والاتفاقيات المبرمة مسبقا.