[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
مضى على هذا الحدث وقد أصدر عدد من الباحثين الإسرائيليين كتابا بهذا العنوان "دقيقتان فوق بغداد"، وينطوي العنوان على دلالات عديدة، أنه يتحدث عن هجوم بالطائرات الحربية الإسرائيلية استهدف مفاعل "تموز النووي العراقي" ، وتمخض الهجوم عن تدمير المفاعل بالكامل، حدث ذلك في السابع من يونيو/ حزيران من العام 1981، وهزت الانفجارات في حينها، قبيل غروب الشمس احياء بغداد الشرقية والجنوبية في حين سُمع دوي الانفجارات العنيفة في جميع انحاء العاصمة العراقية، ولم يتعرف الناس في باديء الأمر على طبيعة الانفجارات، واعتقد الكثيرون أنها غارة جويّة للطائرات الحربية الإيرانية، إذ كانت حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران في سنتها الاولى، ولم يدر بخلد احد على الاطلاق أن الهجوم نفذته طائرات إسرائيلية، ومن اهم الرسائل التي يحملها عنوان الكتاب " دقيقتان فوق بغداد" ، أن تدمير اهم مشروع عراقي يفترض أنه يحظى بحمايات أمنية كبيرة جدا، قد تم بكل يسر وسهولة وأن جميع المقاتلات المهاجمة قد عادت إلى قواعدها سالمة – حسب التعبير العسكري – المستخدم في مثل هذه الهجمات، وأن الفترة الزمنية التي استغرقتها الهجمة فوق بغداد كانت قصيرة وبلمح البصر، أي أن الهجوم والتدمير قد تم خلال دقيقتين فقط ، وأن العراق الذي يخوض حربا مع إيران – حيث يفترض أنه في حال استنفار عسكري تام - لم يتمكن - من خدش جنح طائرة مقاتلة إسرائيلية واحدة من سرب الطائرات المهاجمة ولا تلك التي وفّرت الحماية الجوية لها، وأن الرسالة يجب أن تقرأ بعناية من قبل الدول التي تفكر بانتاج سلاح من هذا النوع، فقد بدأت التحذير قبل ذلك بسنوات، فعندما شرع العراق باستيراد المعدات الخاصة ببرنامجه النووي اواخر السبعينيات من فرنسا تحرك الموساد الإسرائيلي وقتل العالم المصري محمد المشدّ الذي يشرف على مشروع البرنامج النووي العراقي، بينما كان داخل غرفة نومه في احد فنادق باريس، وتم تدمير الشحنة التي كانت في طريقها إلى العراق قبل أن تغادر الميناء الفرنسي، ورغم ذلك أصرّ العراق على الخوض في غمار تجربة اكبر من قدراته الأمنية – على اقل تقدير-، وبتدمير المفاعل خسر العراق اموالا طائلة دون أن يحقق خطوة واحدة في برنامجه.
وكانت التجربة العراقية الثانية التي ادت إلى ذات المصير – بل كانت نتائجها اكثر كارثية – عندما شرع في بناء ترسانة اسلحة كبيرة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وتواصلت البرامج بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وتم انفاق مبالغ طائلة جدا وبعشرات المليارات في وقت تراجعت فيه اسعار النفط وتحمّل الاقتصاد العراقي اعباء الحرب الكبيرة، لكن نهاية هذه الترسانة كانت مأساوية ولا تختلف عن نهاية المشروع السابق، وإذا كان مفاعل تموز قد تم تدميره بالمقاتلات الإسرائيلية، فأن المنشآت العديدة التابعة للتصنيع العسكري قد تم تدميرها في وضح النهار من قبل فرق التفتيش التي كانت الحكومة العراقية توفر لها الحماية وتتكفل بجميع مصاريفها.
ترى هل يستخلص المرء من كل ذلك بعض" الدروس" القاسية؟