من منا من يستمتع بساعاته الأربع والعشرين اليومية بالنوم والأكل والشرب والعائلة والأهل والأحباب وأداء الواجبات اليومية ، الدينية والدنيوية، ولا ينشغل إلى حد الإفراط في تذكر الماضي الفائت واستشراف المستقبل الغائب ؟ ظني ان الإجابة على هذا السؤال في مثل أوقاتنا المعاصرة ، صعبة جداً وليست بالسهولة التي يمكن أن يظنها أي أحد .
الصعوبة تكمن كما أسلفنا من ذي قبل في التفكير المفرط غير المحسوب بأمور مستقبلية ، سواء تلك القريبة أم البعيدة ،وهي لا تزال ساكنة بالغيب، لم تأتِها الأوامر بالتحرك إلى الحياة الدنيا لتكون تلك الأمور واقعاً معاشاً متجسداً. . بل ربما لا تأتيها الأوامر، وأقصد ربما لن تقع أبداً ، فلا يدري الغيب سوى الله علام الغيوب سبحانه ..
مثلما هناك من يحرق طاقاته لمعرفة المستقبل ، فكذلك هناك من يستمر في الذوبان والاحتراق ولكن للماضي البعيد.. يتذكره بين الفينة والأخرى ليتجرع الأحزان والآلام،ويستمر هكذا حبيس الأحزان لا ينفك عنها ، فيسير حتى يجد نفسه قابعاً مكانه لا يتزحزح ويتقدم في تفاصيل الحياة التي هي أكثر مما نتوقع ..
مما سبق سيتضح على الفور أن حاضرنا هو الذي يستحق الاهتمام وبذل الجهد فيه وعليه. ذلك أن الاهتمام بالحاضر هو الأصل في حياتنا اليومية، مستندين على وقائع الماضي الإيجابية فندعمها، والسلبية فنستفيد منها ونحذر الوقوع فيها مرة أخرى.
لا معنى لتذكر الماضي طوال الوقت، أو التحرق شوقاً لمعرفة المستقبل والغيب،في ظل تغييب وعدم اهتمام بالواقع الذي هو الحاضر. إنك إن اهتممت بحاضرك خير اهتمام ، مستفيداً من الماضي، فإنك بذلك تعد العدة الجيدة للمستقبل. وقصدي من الحديث ألا تجلس وتضيِّع وقتك في استطلاع الغيب والمستقبل ، فتتراءى لك خيالات ورؤى سلبية فتقوم بتصديقها وبالتالي تكدر أجواء حياتك، أو رؤى إيجابية فتفرط في التفاؤل، وأنت لا تدري ما هي الظروف والمتغيرات التي في الطريق.
زبدة الحديث ..
حاول ألا يكون هناك إفراط أو تفريط إن صح وجاز التعبير، في حياتك وبشكل عام مع كل الأمور .. جرِّب أن تعيش حاضرك مستفيداً من الماضي لتخطيط المستقبل ولكن دون كثير حزن على ما مضى ولا كثير قلق على ما سيأتي .. وثق دوماً أن من يتوكل على الله في كل أموره ، فهو حسبه ولن يخذله .

د. عبدالله العمادي