[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
منذ استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي في العام 1962 وقضية أرشيف الثورة الجزائرية مثار خلاف بين الدولتين، وبينما تسعى السلطات الجزائرية للحصول على ذلك الأرشيف، تعمل السلطات في باريس رغم ذهاب مسؤولين ووفاة اخرين وظهور جدد في الساحة السياسية الفرنسية على تعطيل هذه المطالب المشروعة، ونظرا لأهمية مثل هذا الأرشيف للذاكرة الوطنية الجزائرية فإن الجهود لم تتوقف على هذا الصعيد، وهنا نلفت إلى أن الفرنسيين يحاولون عرقلة تلك الجهود لأنهم خسروا الحرب مع المقاومين الجزائريين، الذين تمكنوا حسم المعركة ضد الغزاة الفرنسيين المحتلين خلال ثماني سنوات فقط ( بدأت ثورة المقاومين في نوفمبر في العام 1954 ونالت الجزائر الاستقلال الكامل في العام 1962 ) ووقع هذا البلد العربي تحت احتلال فرنسي طويل جدا بعد الحادثة الشهيرة بين والي الجزائر الداي حسين والقنصل الفرنسي ، بعد أن استدعاه الوالي لمطالبته بديون للجزائر بذمة فرنسا عن حبوب صدرتها الجزائر لفرنسا ، لكن القنصل الفرنسي تجاوز على الوالي الجزائري فما كان من الاخير إلا ضربه ب"المروحة " التي كانت بين يديه ، ويؤرخ الباحثون لبداية الأزمة الجزائرية – الفرنسية التي قادت إلى الاحتلال ومن ثم الصراع الطويل وافضت إلى التحرير بتلك الحادثة باعتبارها شرارة تلك الاحداث ويطلقون عليها " حادثة المروحة".
بعد عقود طويلة من هزيمة فرنسا في حربها ضد المقاومين الجزائريين ما تزال قضية أرشيف الثورة بين الاخذ والرد، وإذا كان للجزائريين حساباتهم في الحرص على إغناء الذاكرة الوطنية الجزائرية ببطولات الرجال الذين ضحّوا بكل شيء من اجل بلدهم وفي سبيل طرد الغزاة الذين ارتكبوا الكثير من الجرائم البشعة بحق الجزائريين، فإن للفرنسيين حساباتهم ايضا ، فهم ما زالوا يعيشون الحنين للامبراطورية الفرنسية التي توسعت بصورة كبيرة في زمن نابليون بونابرت وما بعده، وتواصل ذلك الحلم – الطموح لقرون فتوسعت فرنسا واحتلت دولا عديدة ، وفي مقدمة الحسابات الفرنسية حرصهم على عدم كشف هزائمهم الكبيرة أمام الثوار الجزائريين الذين بدأوا ثورتهم بمئات البنادق البسيطة – كما يذكر ذلك احد ابرز قادة المقاومة الراحل احمد بن بيلا- في مذكراته عن الثورة الجزائرية، قبل أن تحصل المقاومة على دعم عربي واسع من قبل مصر بقيادة الراحل جمال عبد الناصر بالاضافة إلى دعم عربي ودولي، ومن جانب اخر ما زالت فرنسا تطالب بتعويض " المجرمين الفرنسيين " الذين جاؤوا مع الجيش الغازي وبسطوا سيطرتهم بقوة السلاح على مساحات كبيرة جدا في الجزائر وحولوا الكثير من الجزائريين إلى عبيد يقدمون لهم الخدمة ، وسارع هؤلاء للهرب قبيل الهزيمة الكبيرة للقوات الفرنسية.
من تجربة الجزائر وما تحاول السلطات الفرنسية فرضه على اهل البلد الذي تعرض لجرائم الفرنسيين البشعة وفي مقدمتها مذبحة سطيف ومدن جزائرية اخرى في مايو من العام 1945 وبعد ذلك سلسلة المذابح بحق المدن المقاومة حتى التحرير عام 1962 ، لا بد من رفض أي اتفاقية أو معاهدة يعقدها المتعاونون مع المحتل رفضا قاطعا وكاملا في أي بلد ، لأن مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات تخدم مصالح الغزاة وتحمي المجرمين الذين قدّموا لهم المساعدة والعون.