لم تعطنا الولايات المتحدة الأميركية ولو إشارة عادلة عن قضية الشعب الفلسطيني، فيما هي تتظاهر أمام الإعلام عكس ما تنفذ أو تختبيء وراء الكلمات المعسولة، في الوقت الذي مازالت على موقفها منذ نكبة هذا الشعب التي تجاوزت الستين عاما.
ليس ما يفعله وزير الخارجية الأميركي جون كيري سوى ملء فراغ في العملية الافتراضية بين إسرائيل والفلسطينيين .. ففي الوقت الذي يحتاج الفلسطيني الى حماية، نراه مرميا في العراء، وعندما يحتاج للحديث الحقيقي عن حقوقه، نرى الاميركي متلحفا بالموقف الاسرائيلي وكأنه يعطي للاغتصاب منطقا. وعند الحاجة للحديث عن الدولتين، تصبح المستوطنات مشكلة المشاكل، اذ يقدم فيها الاسرائيلي فاتورة كاذبة رغم أنها تتجاوز الآلاف ليقول إنه تنازل عنها، فنرى الرقم لايتجاوز العشرة او العشرين على أبعد تقدير.
بتنا نعرف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعاني صداعا كلما استقبل كيري او طلب منه الذهاب الى واشنطن او عقد لقاءات مع الاسرائيلي. فالمسألة لم تعد تحتمل التكاذب، اذ لاجدية في الموقف الأميركي الذي يضغط على الفلسطيني الضحية، ويفلت الجلاد من قبضة العدالة. يحاول ان يقتل القتيل، فيما القاتل طليقا. تلك النظرة الأحادية التي لا شريعة فيها ولا قانون ولا حق انساني ولا ضمير، قد طال أمدها وامتد بها العمر دون نتيجة، وهي خطة صهيونية يراد من خلالها تمويت الحقوق رويدا رويدا وبعث الملل لدى الفلسطيني المفاوض والمسؤول عن حقوق شعبه. لكن ذلك لن يتحقق، فمازال الوقت ايضا ملك الفلسطيني الذي يصارع على جبهات متعددة منها الوقت ومنها الذهنية الغارقة في العلاقة المتوحشة التي يبديها الاسرائيلي والاميركي، ومنها تسميم الأجواء بالقول بان الفلسطيني هو من يعاكس المحاولات الجادة للحل، والفلسطيني في كل الحالات متمسك بحقه ولن يحيد عنه ابدا.
بتنا نعرف ان الرئيس عباس التزم امام الاميركي والاسرائيلي انه لابندقية بعد اليوم، وها هو يطبق ما قدمه وما اتفق عليه معهم، أليس في ذلك تخل عن جوهر تمسك به الفلسطينيون طيلة أعوام طويلة وهي حقه في امتشاق السلاح من اجل استرجاع أرضه، وان القوة وحدها من تحقق له الأمل بذلك. واذا كان الفلسطيني قد تنازل عن هذا الحق مؤقتا، فهو ليس عاجزا عن العودة الى البندقية اذا ما استدعت الحاجة، واذا ماظل الاسرائيلي على موقفه الرافض لأية تسوية، او الكاذب الدائم اذا ما تحدث فيما هو لايريد ان يعطي. فهذه الضفة الغربية قد ناءت بأثقال المستوطنات بحيث لم تعد موحدة لامن داخلها ولاعلى حفافيها ولا بين مدنها، حتى يمكن القول إن رام الله ذاتها باتت تحت الخطر الشديد اذا ما اعتبرنا ان المستوطنات غول سوف يأكل أخضر الضفة ويابسها.
إذا كان الأميركي يعتقد أن اللعب على الوقت مصلحة إسرائيلية وهو الهدية التي يقدمها له في المناسبات من أجل تمرير مشاريعه الاستيطانية وإبعاده تدريجيا عن حقوق الشعب الفلسطيني فهو واهم .. صحيح ان القيادة الفلسطينية لن تقبل بالتنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لكنها ايضا، ملزمة بان تقدم لهذا الشعب السبب الذي من أجله أعطاها الثقة وإلا فإن الفلسطينيين مضطرون لركوب الصعاب كما فعلوها ولهم كل الحق في ذلك، وسيظل الفلسطينيون يرددون الجملة الشهيرة " إنه ما ضاع حق وراءه مطالب".