[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” بعد نتائج استفتاء الخميس الماضي والتي أسفرت عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, وتقديم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استقالته ثمناً لتأييده البقاء في الاتحاد الأوروبي ـ أصبح قائد حملة الخروج "بوريس جونسون" مرشحاً بقوة للفوز بمنصب رئيس الوزراء القادم, والمفارقة أن تتبع سيرته الذاتية من قبل صحفي تركي أسفر عن أن بوريس جونسون يتحدر من أصول تركية مسلمة..”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الوقت الذي كان اللاجئون والخوف من تزايد أعداد المهاجرين ؛ خصوصاً المسلمين, أحد أسباب تصويت أغلبية البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي, نجد أن لندن أكثر مدينة أوروبية ارتبطت بالإسلام والمسلمين منذ ثلاثة قرون, حتى أنه يروى أن زعيمها التاريخي وينستون تشرشل كاد يعتنق الإسلام في بداية شبابه, وكان مهتما بقراءة القرآن والاطلاع على الثقافة الإسلامية, بجانب زياراته المتعددة للقاهرة والقدس والشام والعراق لمعرفة المزيد عن الإسلام, ونشرت له صور عديدة وهو يرتدي الملابس العربية, ولولا توسلات عديدة من أقاربه والمحيطين به بخطورة الإعلان عن إسلامه على مستقبله السياسي ومستقبل عائلة تشرشل لقام بإشهار اعتناقه للإسلام وكان لتشرشل الفضل في إقناع الملك جورج السادس ببناء أول مسجد ببريطانيا مقابل بناء كنيسة إنجيلية في القاهرة.
وتمضي السنون ويصبح عمدة لندن صادق خان المسلم من أصل باكستاني بعد أن أصبح عضوا في مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال في العام 2005م , ثم كان أول مسلم ينضم لمجلس الوزراء البريطاني عندما اختاره رئيس الوزراء العمالي السابق جولدن براون وزيراً للنقل والاتصالات في العام 2009م, ويتميز خان بقوة خطابه وطلاقة لسانه وجذبه للانتباه حينما يتحدث, وهو متزوج من المسلمة من أصل باكستاني أيضاً سعدية أحمد, وله ولدان أنيسة وعمارة, وكان دفاعه عن الحريات والعدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق العمال, سبباً في فوزه بالمنصب الرفيع.
وبعد نتائج استفتاء الخميس الماضي والتي أسفرت عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, وتقديم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استقالته ثمناً لتأييده البقاء في الاتحاد الأوروبي, وأصبح قائد حملة الخروج "بوريس جونسون" مرشحاً بقوة للفوز بمنصب رئيس الوزراء القادم, والمفارقة أن تتبع سيرته الذاتية من قبل صحفي تركي أسفر عن أن بوريس جونسون يتحدر من أصول تركية مسلمة فهو حفيد الصحفي التركي الشهير "علي كمال" الذي ولد في اسطنبول في العام 1867م لأم شركسية مسلمة من جبال القوقاز بحي السليمانية باسطنبول وكان شاعراً وناشراً ويمتلك صحيفة يومية في تركيا وكان يهوى السفر والترحال فأقام فترة في باريس وعاش سنوات في القاهرة.
وكان معارضاً للسلطان العثماني ويتهكم على تخلف وتجمد السلطان عبد الحميد ونظام حكمه ويدعو إلى تقليد الغرب والتمدن والتخلص من الأفكار الرجعية, وفيما بعد اتهم بالعمالة للإنجليز, والوقوف في وجه المقاومة التركية ضد المستعمر البريطاني, وتعرض بسبب مواقفه المؤيدة للاحتلال الإنجليزي للضرب من الثوار حتى الموت في مدينة أزميت عام 1922م.
ويحكي الصحفي التركي كيف سافر علي كمال إلى بريطانيا عام 1903م وتزوج هناك من امرأة بريطانية وعاد إلى اسطنبول بصحبة زوجته وابنته وتقلد منصب وزير الداخلية لمدة ثلاثة أشهر ولكنه سرعان ما غادر هو وأسرته تركيا مرة أخرى إلى لندن عقب الانقلاب الذي أطاح بالخلافة العثمانية , وهناك رزق بولد آخر (والد بوريس جونسون), ولكن توفيت زوجته الإنجليزية أثناء الولادة فترك ولديه في لندن تحت رعاية جدتهما وعاد مرة أخرى إلى تركيا ليتزوج من فتاة تركية ويستقر هناك.
ولكنه تعرض للمطاردة مع وصول الجمهوريين للسلطة حتى لقي مصرعه على يد الثوار وهو في سن الـ 55 , عندما تم خطفه وهو يقص شعره لدى حلاق في اسطنبول ومضى به خاطفوه إلى الشطر الآسيوي من المدينة ومنه إلى العاصمة الجديدة أنقرة ليمثل أمام محكمة عسكرية بتهمة الخيانة والتحالف مع الإنجليز ضد الاستقلاليين, وفي طريق العودة إلى السجن هاجمه تابعون لقائد الجيش التركي وانهالوا عليه ضرباً ورجما ثم سحلوه وعلقوه على شجرة وأعدموه .
كبر ابنا كمال علي في كنف جدتهما لأمهما البريطانية, وحصلا على الجنسية الإنجليزية وغيرا اسم عائلتهما إلى جونسون,
بوريس جونسون الذهبي الشعر والذي يشبه المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب, ولد في عام 1964م , بمدينة نيويورك وكان الولد الأكبر لأربعة أبناء لأبويه ستانلي جونسون الابن الوحيد للتركي كمال علي والبريطانية شارلوت فاوست وكان يحمل الجنسيتين الأميركية والبريطانية, قبل تخليه عن الأميركية في العام الماضي لرغبته في الترشح لزعامة حزب المحافظين والترشح للانتخابات القادمة.
واستمرت علاقة بوريس جونسون وطيدة بالإسلام, حتى وهو ينادي بإبعاد المهاجرين وتطهير بريطانيا من الإسلام والمسلمين رغم أصوله المسلمة, فزوجته الأولى وهي إيطالية وفرق الطلاق بينهما عام 1993م من دون أن تنجب له أولادا , تزوجت من بعده من شاب باكستاني مسلم يصغرها بأكثر من عشرين سنة واعتنقت على يديه الإسلام وغيرت اسمها إلى دلشات كالي غوري, وتحولت للعمل الخيري وكانت تعمل متطوعة لرعاية الأطفال بمسجد "منهاج القرآن" في شرق لندن.
وإذا أصبح بوريس رئيساً للوزراء كما يتوقع له, فستصبح بريطانيا في وضع نادر لم تمر به على مر تاريخها, ولا عرفته دولة في أوروبا الغربية حتى الآن, حيث رئيس بلدية العاصمة مسلم ورئيس الوزراء متحدر من أصول إسلامية.
وعدد المسلمين في بريطانيا يقترب من ثلاثة ملايين نسمة بنسبة 4% من عدد السكان ويفوق عدد اليهود بمراحل, ويتركز جزء كبير من المسلمين في العاصمة لندن وربما ذلك يفسر تصويت سكان لندن بنسبة كبيرة لصالح الاستمرار في الاتحاد الأوروبي, ومع ذلك هناك نسبة معتبرة من المهاجرين المجنسين القدامى والمحدثين صوتوا لصالح الخروج من أوروبا , ويقفون في خندق واحد مع أعداء الهجرة والمطالبين بطرد ومحاصرة الأجانب متناسين أصولهم وبداياتهم على الأراضي الأوروبية.