[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” بعض تنظيمات اليسار الفلسطيني هي بقايا أحزاب شيوعية عربية, تتقن نضالات " الياقات البيضاء"! ومع تقديرنا للحرص الذي يبديه بعض قياداتها, للتمسمر أما كاميرات الإعلام والحديث لها, بلغة لا تنقصها البلاغة, ولا نبرة الصوت العالية, التي يحاولون تفخيمها! فإن برنامج هؤلاء سياسي فقط, متنافر مع أي قطعة من السلاح (حتى مسدسات الأطفال)”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

استعرضنا قبلا ثنائي الساحة الفلسطينية في الخلاف والانقسام والإصرار على عدم الوحدة. كان مأمولا أن تشكلّ قوى اليسار الفلسطيني خطا ثالثا قادرا على استقطاب الجماهير الفلسطينية, متجاوزا التنظيمين الأكبرين في الساحة الفلسطينية, لكن العالم بحقيقة بعض قوى اليسار الفلسطيني( وأنا أبتعد عن الأسماء لا جبنا ولا خوفا من مواجهة ولكن لاعتبارات النشر, مع العلم أنني استعرضت جزءا من حقائق اليسار الفلسطيني والعربي, في كتابي الذي صدر حديثا بعنوان: إضاءات فكرية وسياسية لواقع قاتم", وسأستعرض الجزء الثاني من الحقائق في كتابي السياسي القادم), يدرك استحالة هذه المسألة للأسباب التالية:
أولا: ما من خط سياسي موحّد يجمع هذه القوى! البعض من قوى اليسار الفلسطيني حصرت مهمتها في تسويغ خطاب اليمين الفلسطيني وكوارثه, إن في سيء الصيت والسمعة, المسمى بـ "برنامج النقاط العشرة ", أو في التعامل مع تداعيات الاتفاقيات الكارثية في أوسلو.
ثانيا: بعض تنظيمات اليسار الفلسطيني هي بقايا أحزاب شيوعية عربية, تتقن نضالات " الياقات البيضاء"! ومع تقديرنا للحرص الذي يبديه بعض قياداتها, للتمسمر أما كاميرات الإعلام والحديث لها, بلغة لا تنقصها البلاغة, ولا نبرة الصوت العالية, التي يحاولون تفخيمها! فإن برنامج هؤلاء سياسي فقط, متنافر مع أي قطعة من السلاح (حتى مسدسات الأطفال) كما إيمانها بأن الكفاح المسلح لن يجلب سوى الكوارث على ثورتنا ( بدليل أنها لا تمارسه!), مؤمنة فقط بالمقاومة الشعبية! ومع أهمية وتقدير وتبجيل هذه المقاومة, فإنها وحدها, لن تجبر الكيان على الاعتراف بحق واحد من حقوقنا الوطنية.
ثالثا: أولئك, أهلكوا عقولنا تاريخيا بالمساومة التي عقدها زعيم ثورة أكتوبر, في معاهدة "بريست – ليتوفسك" في 3 مارس 1918 ليتجنب لينين الحرب الأوروبية على بلده الناشىء وتحطيم سلطة حزبه, وباتفاق مولوتوف - رينتروب عام 1939 من حيث تأثيره الجيوسياسي. وكما هو الحال مع المعاهدة النازية السوفياتية الشهيرة, ناسين أن من وقع هذه الاتفاقيات حزب عظيم كان على رأس السلطة في بلده. فترة بسيطة فقط وقام لينين بإبطال المعاهدة. حاولوا إقناعنا بذلك, غير مدركين أن ما ينطبق على روسيا, سوف لن ينطبق على فلسطين لا جغرافيا ولا تاريخا ولا استثنائية عدو, ولا طبيعته. يذكر أبناء جيلي كيف تعرضت المقاومة الفلسطينية لسيل من محترفي الجملة الثورية من الدول الشقيقة المجاورة! أشك أن معظم أولئك أنهم كانوا يفهمون ما يقولونه إن بالنسبة لحقيقة الماركسية, أو بالنسبة لطبيعة العدو الصهيوني أو طبيعة الصراع مع العدو. ولعل الكبير جورج حبش هو الذي كان وراء مصطلح "تعريب الماركسية". وهو الذي نادى به زعيم ثورة أوكتوبر الاشتراكية العظمى في خطابه الموجه إلى شعوب الشرق.
رابعا: في محاولات تجارب "وحدة اليسار" القليلة الماضية, أظهر الواقع العملي أن بعض القوى اليسارية الفلسطينية للأسف تغمز نحو اليسار, وفي الكواليس وفي كثير من الأحيان علنا, تتبنى مواقف اليمين ,لذلك لم تنجح ولن أبة وحدة سابقة أو حالية أو مستقبلية لفصائل اليسار الفلسطيني(تماما كما اليسار العربي رغم عقوده الطويلة) . تنظيم يساري حقيقي وحيد في الساحة الفلسطينية (حيَاه الرئيس عبد الناصر في خطابه بمناسبة الذكرى الأولى لهزيمة يونيو), يزاوج بين الفكر والممارسة. وصل يوما إلى مضاهاة التنظيم الأول, تآمروا عليه لاحداث انشقاق دعاة الجملة الثورية, من بين صفوفه. لديّ الكثير مما أقول من الأسباب, ولكن أتركها لكتابي القادم.
أما حول طيب أردوغان واتفاقه الموقع مع الكيان الصهيوني فنقول:
بداية فإن تسمية الاتفاق بين تركيا والكيان بـ "مصالحة"، أو"استئناف التطبيع" بين الجانبين الإسرائيلي والتركي، لا يتناسب مع واقع الحال القائم على مر السنوات الماضية، وأيضا منذ العام 2009، حينما بدأ تصعيد الخطاب السياسي التركي، ثم مع ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة اسطول الحرية في نهاية (مايو) العام 2010. لأنه على الرغم من كل السجال السياسي، إلا أن العلاقات الاقتصادية استمرت بالازدهار؛ وكان الهبوط والصعود في حجم التبادل التجاري، متعلقا أساسا بأوضاع الأسواق العالمية.فمثلا، سجل العام 2014 ذروة في حجم التبادل التجاري بين الجانبين وبلغ 6.8 مليار دولار. وقد سبق أن كتبنا في "الوطن" حول تفاصيل العلاقة الاقتصادية والعسكرية ( اللتين لم تتوقفا) بين الطرفين .
حاول أردوغان المزايدة في تبنيه للقضية الفلسطين مباشرة بعد مذبحة الكيان للسفينة "مرمرة", كما رفع شعارات تفوح منها رائحة المزايدة، حيث بدا وكأنه اكثر فلسطينية وعروبة من الفلسطينيين والعرب، مع ملاحظة أن الشعارات كانت تحمل بين طياتها دوما خطوطا للتراجع!. أعجب الكثيرون من الفلسطينيين والعرب بشعاراته, ونصّبه زعيم حماس خالد مشعل "خليفة " للمسلمين! باعتباره سيقود الجحافل الى تحرير القدس, وليس كسر الحصار عن غزة فقط, حتى لو اعتذرت اسرائيل رسمياً (وقد فعلت بوساطة من اوباما عبر هاتفه الخلوي كما تذكرون) ودفعت واحداً وعشرين مليون دولار (وأخيراً وافقت بعد مساومات طويلة), لكنها رفضت بحزم وعجرفة, حتى مجرد مناقشة الشرط الثالث وهو رفع الحصار عن غزة، وها هي انقرة تطيح بشرطها وترضخ لما يريده الكيان, مقابل21 مليون دولار.الى جانب هذا، فإن الاتفاق يُسجّل لصالح إسرائيل، التي يسعى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بشكل دائم، لكسر الانطباع القائل بأن حكومته مُحاصرَة في الحلبة الدولية. مقابل التعويضات لضحايا المجزرة، فإن البرلمان التركي سيقر قانونا يمنع محاكمة جنود وضباط جنود الاحتلال، على خلفية ارتكابهم مجزرة اسطول الحرية. وهذا انجاز إسرائيلي آخر على هذا المستوى، بعد أن ألزمت إسرائيل دولا أوروبية, بسن قوانين تمنع اعتقال مسؤوليها وضباطها، على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبوها.أما في ما يتعلق بقطاع غزة. في المقابل فإن تركيا أعلنت أن الاتفاق يسمح لها بنقل بضائع "مساعدات انسانية" دون تحديد كميات الى قطاع غزة. ولكن هذه البضائع ستصل الى ميناء أسدود وستخضع لفحص وأنظمة سلطات الاحتلال، التي ستنقل البضائع الى قطاع غزة. ويقول رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، إن هذا قائم طوال الوقت.
تركيا ترى في العروبة خصماً, بل ربما عدواً لها, وتريد الطمس عليها لصالح مشروع اسلاموي مشبوه. كما انه لن تسمح اسرائيل لانقرة ببناء محطة تحلية أو مشفى أو محطة توليد كهربائية, وايصال مساعدات وبضائع تركية الى قطاع غزة, فلم يحصل أردوغان على وعد اسرائيلي بعدم تدمير تلك المنشآت في أي عدوان جديد على القطاع, فضلاً عن ان كل تلك المعدات والبضائع التركية (مثلما ذكرنا) يجب أن تمر من ميناء اسدود, بعد أن يتم فحصها بدقة ودون أن تحدد مدة الفحص.انه رضوخ تركي لكل شروط الكيان.
"اهلاً بالخليفة المحرر أردوغان في غزة", للآسف هكذا سيهتف انصار حماس للرئيس التركي, عندما يصل القطاع قادما من تل أبيب. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن عن الاتفاق في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الايطالية روما، وفي نفس الوقت، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في العاصمة أنقرة، لينهي الاتفاق اتصالات استمرت على مدى السنوات الست الماضية.