[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. ليس من قبيل المبالغة القول إن الجلوس على كرسي الرئاسة في مصر تحول لعقوبة حتمية ينالها كل من رماه حظه التعس للجلوس عليه، وليس من المصادفة التاريخية أن كل من اعتلى عرش مصر في العصر الحديث ( منذ مطلع القرن التاسع عشر) كانت نهايته حزينة ونادراً ما خرج على قدميه،...”
ــــــــــــــــــــــ
هل طمع السيسي في حكم مصر عندما أطاح بمرسي، وقضى على حكم الإخوان في 30/6/2013م ، أم أنه ترشح للرئاسة كما يقول مؤيدوه نزولاً على طلب وإلحاح الملايين، التي رأت فيه المنقذ والمخلص.
أيا كانت دوافعه للترشح فالرئيس القادم لمصر لا يستحق منا إلاّ الشفقة والرثاء لحاله، والمكافأة الحقيقية للسيسي كانت في بقائه محتفظاً بمنصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة بعيداً عن مستنقع السياسة ومشاكل الحكم التي تنتظر الرئيس القادم.
فالتحديات كثيرة والمشاكل تحاصر مصر من كل اتجاه، والملايين يعلقون الآمال على الرئيس وينتظرون منه المعجزات بداية من تخليصهم من "عفريت" الإخوان وعودة الأمن والاستقرار، مروراً بانتشالهم من أزمة اقتصادية طاحنة ألقت بمعظمهم في وهدة الفقر وانتهاء برأب الصدع الذي أصاب النسيج الاجتماعي المصري نتيجة حالة الاستقطاب الشديد التي تعيشها مصر منذ الإطاحة بحكم مرسي والإخوان، وانقسام المصريين لفريقين: مؤيد للسيسي وكاره للإخوان وفريق مؤيد للإخوان وناقم على السيسي وعلى البلد كلها ويطالب بعودة مرسي والشرعية.
وقد نالني من الحب جانب عقب نشر مقالي في الأسبوع الماضي "هل يقدر على صرف العفريت" ؛ فقد اتهمني مؤيدو السيسي بأنني إخواني وخلايا نائمة، واتهمني الإخوان ومؤيدوهم بأنني انقلابي وفاقد للضمير والأخلاق، رغم محاولتي التحلي بالموضوعية والحياد.
وليس من قبيل المبالغة القول إن الجلوس على كرسي الرئاسة في مصر تحول لعقوبة حتمية ينالها كل من رماه حظه التعس للجلوس عليه، وليس من المصادفة التاريخية أن كل من اعتلى عرش مصر في العصر الحديث (منذ مطلع القرن التاسع عشر) كانت نهايته حزينة ونادراً ما خرج على قدميه، وغالبا ما انتهى به المطاف إما معزولاً أو مقتولاً أو مسجوناً أو يموت بمرض مفاجئ في سن الأربعين أو الخمسين من عمره، حتى تحول "الكرسي" للعنة تطارد حكام مصر شبيهة بلعنة الفراعنة.
وبداية اللعنة كانت مع محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة (1805 إلى 1848) الذي أنشأ جيشاً قوياً وأسطولا بحريا وتوسع شرقا في الجزيرة العربية وجنوبا في السودان والبحر الأحمر وشمالاً حتى هدد الدولة العثمانية، ولكن حياته انتهت بشكل مأساوي بعدما أصيب في أواخر حياته بمرض عقلي عضال جعله عاجزاً عن مواصلة أعباء الحكم، فصدر قرار بعزله من الباب العالي وتعيين ابنه الأكبر إبراهيم باشا واليا على مصر خلفاً له ، ولم يمتد بمحمد على الأجل ومات عقب عزله مباشرة ودفن في الجامع الذي يحمل اسمه في قلعة صلاح الدين.
ولم يهنأ إبراهيم باشا بحكم مصر سوى 7 أشهر ونصف أصيب بعدها بمرض غامض أدى لوفاته وهو لم يتجاوز الستين من عمره.
وخلفه الخديوي عباس حلمي الأول (1849 إلى 1854) وشهد عهده تراجعاً كبيراً في شتى المجالات واغتيل في قصره ببنها بعدما أمضى خمس سنوات على عرش مصر.
الخديوي سعيد (1854 إلى 1863) الذي أعطى فرديناند ديليسيبس امتياز حفر قناة السويس واشتهر بنهمه لأكل المكرونة وأمر بإغلاق المدارس العليا التي أنشأها آباءه وأجداده لأنه كان يرى أن أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة، وتوفي بشكل مفاجئ عن عمر يناهز الأربعين.
الخديوي اسماعيل (1863 إلى 1879) شهدت مصر في عهده ازدهارا ملموساً في جميع المجالات العسكرية والخدمية والمعمارية إلاّ أن نهايته كانت مأساوية بعدما استغل الإنجليز والفرنسيين تضخم ديونه للبنوك الأوروبية وحاولوا التدخل في إدارة أمور البلاد والنيل من استقلالها وعندما تصدى لهم اسماعيل ضغطوا على السلطان العثماني عبد المجيد ليصدر فرماناً بعزله من حكم مصر وتولية ابنه توفيق واضطر للسفر إلى إيطاليا منفيا، ثم انتقل بعد ذلك إلى اسطنبول حيث مات وحيداً حزيناً في محبسه عن عمر 65 عاماً.
الخديوي توفيق (1879 إلى 1892) حكم مصر عقب خلع ابيه اسماعيل وقامت الثورة العرابية ضده وسهل دخول القوات الانجليزية إلى مصر وسقطت مصر في عهده في قبضة الاستعمار البريطاني وفارق الخديوي توفيق الحياة بشكل مفاجئ وعمره لم يتجاوزالأربعين.
الملك فاروق (1936 إلى 1952) تولى العرش عقب وفاة والده الملك فؤاد ولم يكن تجاوز السادسة عشرة من عمره، وافق مضطراً على التنازل عن عرشه لابنه الرضيع أحمد فؤاد عقب قيام ثورة 23 يوليو، وغادر مصر ليعيش مكتئباً وحزيناً في المنفى في إيطاليا ودفعه الاكتئاب للشراهة في الأكل والشرب؛ حتى مات في ظروف غامضة بأحد مطاعم كابري بجنوب إيطاليا عن عمر يناهز 45 عاما.
اللواء محمد نجيب (يونيو1953 إلى نوفمبر1954) كان أول رئيس لمصر في عهدها الجمهوري وانقلب عليه الضباط الأحرار وعزلوه وحددوا إقامته في منزل متواضع بضاحية المرج وعاش معزولا محاصراً لمدة 30 سنة حتى وفاته في مستشفى حكومي في عام 1984 دون أن يرد إليه اعتباره أو يحتفى به كأول رئيس للجمهورية .
جمال عبد الناصر(1954 إلى 1970) قاد حرب الاستقلال عن المستعمر البريطاني واستطاع أن يفرض نفسه زعيماً للأمة العربية، حتى تآمرت عليه الصهيونية العالمية وكانت نكسة 1967 وهزيمة مشروعه العروبي القومي، أصيب بمرض السكري قبل بلوغه الأربعين ومشاكل في القلب، حتى كانت النهاية المفجعة بعد مجهود مضن بذله للوساطة بين الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية لوقف أحداث أيلول الأسود في سبتمبر 1970 وعقب توديعه أمير الكويت داهمت عبدالناصر أزمة قلبية أدت لوفاته عن عمر 52 عاما، وكانت صدمة مفجعة للمصريين والعرب وشعوب العالم الثالث التي أحبته بجنون.
محمد أنور السادات (1970 إلى 1981) كانت نهايته دموية وعلى الهواء مباشرة بين جنوده وقواده وأركان دولته يوم الاحتفال بنصر اكتوبر إذ قفز الملازم أول خالد الإسلامبولي من إحدى عربات العرض العسكري وصوب رصاصاته تجاه السادات ليلقى حتفه في الحال.
محمد حسني مبارك (1981 إلى 2011) بعد 30 سنة قضاها في الحكم اضطر للتنحي تحت ضغط المظاهرات الشعبية الهادرة التي انطلقت في 25 يناير واستمرت حتى سقوطه في 11فبراير ، وما زال مبارك يخضع حتى الآن للمحاكمة هو ونجلاه وأركان نظامه بتهم قتل المتظاهرين والفساد واستغلال النفوذ وبيع الغاز لإسرائيل.
محمد مرسي (30/6/2012 إلى 30/6/2013) لم يهنأ مرسي وجماعة الإخوان بطعم الكرسي وأبهة الحكم أكثر من سنة إذ سرعان ما أصابته اللعنة وخرج المصريون عليه وعلى جماعته بمساعدة الجيش ليتم التحفظ عليه والقبض على أعضاء الجماعة ويزج بهم في السجون ويقدموا للمحاكمة بتهم التخابر والقتل، والتحريض جزاء طمعهم في منصب لم يكن لهم ولكنها الحماقة أعيت صاحبها فوقع في شر أعماله.