” .. لما كان 90% من سكان العالم يعيشون في العالم النامي، فإن انخراط الصين في التجارة والاستثمار العالميين يكون ذات اهمية خاصة بالنسبة لأكبر اقتصادات الاسواق الناشئة التي يزيد سكانها عن 50 مليونا والتي توقف النمو فيها بشكل ملحوظ من الناتج المحلي الإجمالي المرتفع سواء اكان احادي أو ثنائي الارقام،”

ـــــــــ
كما أشار الرئيس الصيني شي جينبينج بشكل واضح في لقاء جمعه مؤخرا في بكين مع الرئيس السنغالي الزائر ماكي سال، يعد هذا العام معلما بارزا في العلاقات التجارية الصينية ـ الافريقية.
فهو العام الذي تجاوت فيها التجارة بين الصين وافريقيا 200 مليار دولار مما يجعل الصين اكبر شريك تجاري لافريقيا مقارنة بـ10 مليارات دولار فقط في عام 2000. وقال شي لسال"يقف كل هذا شاهدا على الحيوية المتدفقة للصداقة الصينية ـ الافريقية بالدرجة التي تدفع التعاون إلى نوع جديد من الشراكة الاستراتيجية الصينية ـ الافريقية".
عن طريق شبكة معقدة من الشركات المملوكة للدولة والتدخل الحكومي المباشر تعد المسارات الصينية ـ الافريقية تجارة رائجة في كل انواع السلع الاولية مثل المواد الغذائية والمعادن والنفط.
ليست افريقيا وحدها المكان الذي يمكن فيه الاحساس بالرواج التجاري للصين، بل ان الصين حاليا هي اكبر شريك تجاري للاقتصادات الناشئة المتفاوتة والبعيدة مثل البرازيل والهند وروسيا وجنوب افريقيا. فمع وجود اكثر من 64 بلدا كان متوقعا لها ان تعاني من مخاطر اضطرابات اجتماعية وسياسية عالية في 2014ـ اكثر من أي وقت آخر خلال العقد الماضي ـ لم تكن التدفقات التجارية الصينية وحدها استثمارا محل ترحيب في برنامج النمو العالمي والحد من الفقر، بل كان لها ايضا اثر هائل في درء الاضطرابات المدنية وعدم الاستقرار عن طريق خلق فرص عمل محلية للفقراء في انحاء العالم.
خلال العقد الاخير وعبر افريقيا وما وراءها، استقرت غزوة الصين فيما وراء حدودها على مقاربة ثلاثية قوية تقوم على التجارة والاستثمار المباشر الاجنبي وسخاء المساعدات والتي على الرغم من التراجع في اهميتها الا انها لا تزال ضخمة.
وقد دفعت هذه التدفقات الاساسية إلى ان تتصدر الصين بشكل قوي نقاشات التنمية الاقتصادية في كثير من الاقتصادات الناشئة. على سبيل المثال، تشير تقديرات من بلدي الاصلية زامبيا ان التدفقات الخارجية الصينية (حوالي ملياري دولار في العام الماضي) أسهمت بـ 10% من الناتج المحلي الاجمالي لبلدي وحصة كبيرة من اموال الحكومة. ويترك ذلك لصناع السياسة الزامبيين وغيرهم في اماكن اخرى انطباعا بأن الصين سوف تلعب دورا اخذا في التوسع في دفع النمو الاقتصادي والحد من الفقر العالمي، ودورا اقل بالنسبة لشركاء التنمية التقليديين (مثل البلدان المتقدمة والمؤسسات متعددة الأطراف).
ولما كان 90% من سكان العالم يعيشون في العالم النامي، فإن انخراط الصين في التجارة والاستثمار العالميين يكون ذات اهمية خاصة بالنسبة لاكبر اقتصادات الاسواق الناشئة التي يزيد سكانها عن 50 مليونا والتي توقف النمو فيها بشكل ملحوظ من الناتج المحلي الاجمالي المرتفع سواء اكان احادي او ثنائي الارقام، ذلك النمو الذي كان قد تم تسجيله في العقود الاخيرة. فثمة توقعات بأن تشهد كل من الارجنتين والبرازيل وكولومبيا والهند واندونيسيا والمكسيك وروسيا وجنوب افريقيا وتركيا وفنزويلا نموا يحوم حول 3% هذا العام وهي نسبة تنخفض بشكل كبير عن معدل 7% الذي تراه وكالات التنمية الدولية ضروريا لتحقيق حدا ملموسا من الفقر.
ومن ثم فقد تحول صناع السياسة في هذه البلدان وغيرها ايضا إلى الصين للمساعدة في التصدي لكثير من مشاكل الاقتصادات في مراحل التحول مثل البنية الاساسية المتهالكة وغير الموجودة ومعدلات البحث عن عمل المرتفعة وخاصة بين الشباب وعدم المساواة الفج في الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة.
وحسب التعقب الاستثماري في مؤسسة التراث، شهد عام 2013 توزيع ما يقرب من 85 مليار دولار من الاستثمار الاجنبي الصيني في انحاء العالم. وبينما كان الاستثمار الصيني في السنوات السابقة يتم توجيهه بشكل تقليدي صوب قطاعات الموارد الطبيعية، الا انه الان صار هناك تنويع لافت في محفظة استثمار هذا البلد. فالاستثمارات الصينية صارت اسطورية وتقوم استراتيجيتها ليس في المناطق فقط بل في القطاعات المتفاوتة ايضا مثل العقارات والاعمال المصرفية والتمويل والتأمين والامداد والتموين والبيع بالتجزئة بشكل لافت.
وبصورة أعم، فإن البنية الاساسية التي تقيمها الصين في انحاء العالم قد عمدت إلى تسليم مجموعة كاملة من الطرق والموانئ والسكك الحديدية والمطارات ومحطات الطاقة الأمر الذي يظهر تلهفا على الاستثمار في البنية الاساسية حتى في المجالات التي يعزف القطاع الخاص عنها بسبب الانخفاض النسبي لعائداتها واستحقاقات المشروعات التي يمكن ان تستمر لاكثر من 50 سنة.
هذا وان كان يكتنف الاعتماد على الصين في تمويل التنمية والتصدي لتلك المشاكل المستعصية مخاطر كبيرة. إذ ليس سرا ان النمو الاقتصادي للصين يستقر الان عند ادنى الارتفاعات التاريخية الاخيرة (حوالي 7% في السنة). فضلا عن ذلك، لا يزال هناك تحديات كبيرة بشأن اعادة بناء الاقتصاد الذي يشعر الآن بوقع عبء الدين الكبير وفقاعة العقارات التي يمكن ان ينتكس مسار نموها. كما يمكن للتباطؤ الاقتصادي للصين ان يمثل اساسا للتغير في موقف السياسة من الاستثمار في الخارج إلى اعادة توجيه رأس المال للاستثمار داخل البلد. مثل هذا التغير يمكن ان يترك كثير من البلدان غير محصنة وتراجع لبرامج التنمية في كثير من البلدان.
كما ان سياسة الصين للتوسع الاقتصادي في الخارج ليست خالية من الخلافات او المشاكل. فالاتهامات بالاغراق والتثبيت والتلاعب بالاسعار والاستعمار الجديد واستخدام السجناء في المشروعات الاستثمارية الكبيرة امورا معروفة جيدا، وان كان غالبا ما يصعب اثباتها. وتظهر هذه الانتقادات ان الاتجاه صوب معادلة يتم فيها تحديد التدفقات العالمية عن طريق الصين لن يكون بالأمر السهل او غير المكلف، بل انه امر محفوف بالمخاطر.
ومع ذلك وللانصاف لا تزال الصين حتى الآن محرك النمو الاقتصادي القوي والمحفز المهم بشكل كبير للحد من الفقر في انحاء العالم ومن المرجح استمرار ذلك طيلة العقد المقبل. ومناطق مثل افريقيا الموطن لأكبر مساحة صالحة للزراعة بدون استغلال على سطح المعمورة يمكنها ان تستفيد الكثير من خلال التعاون والتقارب مع الصين.

دامبيسا مويو* مؤسسة ورئيسة مجموعة ميلدستورم وكاتبة وخبيرة اقتصادية اميركية ومؤلفة كتاب"الفائز يأخذ كل شيء: سباق الصين على الموارد وماذا يعني ذلك بالنسبة للعالم" وكتاب "المعونة الميتة: لماذا لا تعمل المعونة وما هو الافضل بالنسبة لافريقيا". خدمة جلوبال فيوبوينت ـ ام سي تي خاص"الوطن"