[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/07/nn.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
هاته الدول، ومثلها غير قليل في القارة لجهة الاختراق الصهيوني، كانت من بين جميع دول القارة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني في العام 1973 تضامنًا مع العرب، بينما اليوم هي ومعها أغلب دولها بتاتت مشاعًا تسرح وتمرح فيه التجارة الصهيونية في المواد الأولية، وأسواقًا لصناعات الكيان العسكرية، ومجالا مفتوحا لمشاريعه الزراعية...

"إننا نفتح إفريقيا أمام إسرائيل من جديد". قالها نتنياهو من عنتيبي الأوغندية مزهوًّا. كيف لا يكون له ذلك وقد خف للقائه فيها ثلة من سبعة حكام لسبع دول من شرق هذه القارة مرة واحدة. وقَّت نتنياهو غزوته الإفريقية هذه مع الذكرى الأربعين لواقعة عملية طائرة مطار عنتيبي الصهيونية التي اختطفها فدائيو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقتل إبانها شقيقه ناثان نتنياهو قائد وحدة متكال الخاصة التي أرسلت لنجدتها، واختار أن يجتمع مع الهابِّين خفافًا لاستقباله في ذات المطار، لإعطاء فتحه المستجد بعدًا رمزيًّا، يهدف منه اسطرة تلكم الحادثة وتكريسها بإلباسها عنوةً مسوح الحرب على "الإرهاب"، وليفز بأمرين: تكريسه لنفسه فاتحًا عند صهاينته، وتكريس مضيفه موسوفينيله محاربًا كونيًّا للإرهاب، ذلك عندما يشهد الأخير دون أن يرمش أو يرف له جفن بأن "إسرائيل ليست جنوب إفريفيا"، بمعنى انتفاء كونها عنده كيانًا استعماريًّا عنصريًّا، وأن يزد فيقول: "والنضال الوطني لا يبرر اللجوء إلى الإرهاب"، وهو يعني إدانة المقاومة الفلسطينية للاحتلال، التي يحاربها ضيفه ووصمها بالإرهاب!
الدول الإفريقية السبع، التي شهد زعماؤها السبعة تتويج نتنياهو لنفسه فاتحًا لقارتهم ومحاربًا للإرهاب في العالم، يشتركن جميعهن في بضع من خصال منها: إنهن الفقيرات اللواتي لا يمتلكن ترف مقاومة من يرشوهن، كما لم يكن يوما بالعصيات على من يبتغي شراء الذمم فيهن، ولا على من يلوُّح لهن بجزرة الوساطة مع السخاء الأميركي. يضاف إليه، ونحن هنا نتحدث عن النخب الحاكمة، أن أغلبهن إما الكارهة تاريخيًّا للعرب، أو المستلبة ثقافيًّا ونفسيًّا لمستعمرها السابق، أو المفتونة بالغرب. هذه الخصال من شأنها مجتمعةً أن تشدهن إلى الشرك الصهيوني وأن تدفعهن راضيات مرضيات لتتويج نتنياهو فاتحًا للقارة السمراء ومحاربًا لا يشق غباره للإرهاب العربي، وكلهن بالمناسبة دول تتحكم في منابع النيل، وإذا ما عددناهن تبيَّن لنا كل ما تقدَّم جليا. إنهن، أوغندا موسيفيني الغني عن الوصف، وتنزانيا التي بات هذا اسمها عقب المذابح التي دبَّرتها لعرب زنجبار، وإثيوبيا العداء الدائم للعرب منذ هيلاسيلاسي وحتى زيناوي، وكينيا التي لم تخرج يومًا من الفلك الغربي، حتى في عهد محررها جوموكنياتا، وأربعتهن، وبالتعاضد مع الصهاينة والغرب وكنائسه، اسهمن في صناعة خامستهن جنوب السودان باحتضان تمرُّده والعمل على فصله عن شماله العربي، أما ما تبقَّى، رواندا وزامبيا ففوق الحساب والدائرات في ذات الفلك.
هنا تكمن الخطورة وأيضًا مكمن المفارقة. هاته الدول، ومثلها غير قليل في القارة لجهة الاختراق الصهيوني، كانت من بين جميع دول القارة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني في العام 1973 تضامنًا مع العرب، بينما اليوم هي ومعها أغلب دولها بتاتت مشاعًا تسرح وتمرح فيه التجارة الصهيونية في المواد الأولية، وأسواقًا لصناعات الكيان العسكرية، ومجالا مفتوحا لمشاريعه الزراعية... أخبر نتنياهو جمع مطار عنتيبي أن "البقرة الإسرائيلية تدر أكبر كمية حليب في العالم"... ناهيك عن التعاون الأمني وتصدير الخبراء والمتخصصين والمستشارين الأمنيين، وحتى الحرَّاس الشخصيين لبعض حكامها...لماذا؟!
إنهم العرب، فمن لا يكون مع نفسه فمن ذا الذي سيكون معه؟؟!!
لقد نجحت الناصرية، التي رأت في مصر دورًا وريادة في دائرتها العربية، وأدركت أن هذا الأمر لا يستقيم ولا يكتمل بدون عرى تتصل ولا تنفصم بدائرتين رديفتين هما الإفريقية والإسلامية، نجحت في قطع كافة الحبال وفك الحبائل الصهيونية، التي حاولت، ومنذ قيام الكيان الغاصب في فلسطين وبرعاية غربية، الالتفاف على عنق القارة الحديثة العهد بالاستقلال، فكان أن غدت القاهرة في نظر الأفارقة أنموذجًا لتوقهم التحرري وملهمةً وملاذًا آمنًا له، بيد أن الساداتية بدايةً، ومن بعدها إسقاطاتها العربية المختلفة، قد أسهمت بإدارة ظهرها لأمتها أولًا، وبالتالي لدورها، ومعهما إفريقيا، أيما إسهام في مساعدة الصهاينة على وصل عرى ما انفك وانقطع بينهم وبين القارة، كما أسهم الضعف والعجز والغياب العربي، وصولًا إلى راهن هذا الانحدار في الواقع العربي، في إطلاق العنان لبراغماتية إفريقية وجدت تحت طائلة العوز والهجران العربي ما سهل عليها الارتماء في أحضان الصهيونية، وبالتالي انتهاز نتنياهو فرصته لإطلاق صفارة فتوحاته الإفريقية من على خشبة مثل هذا المشهد في مطار عنتيبي، والذي سبقه تصويت نيجيريا لصالح رئاسة فاشي من أمثال داني دانون رئيسًا للجنة قوانين العدالة الدولية!
مشهد عنتيبي سبقته جملة من مؤشرات على فداحة الغيبوبة العربية العامة الطامة، أخيرها لا آخرها تقرير اللجنة الرباعية الدولية لتصفية القضية الفلسطينية، إذ بعد مماطلات وتأجيلات وتعديلات وتشذيبات صهيونية بأقلام أميركية، صدر هذا التقرير منتقدًا بحياء التهويد ومقابله أدان "العنف" الفلسطيني و"التحريض" عليه، وحمَّل تعاظم قوة المقاومة وصمودها في غزة نصيبًا من مسؤولية استمرارية الحصار الإبادي المضروب عليها... وإذ أنكرت اللجنة على الفلسطينيين حق مقاومة محتلهم، وساوت بين الضحية والجلاد، ماذا كان رد نتنياهو على تقريرها؟!
إنه الإعلان عن جملة من القرارات التهويدية القاضية ببناء ما يصل إلى 1361 وحدة سكنية في القدس وسائر الضفة، وإعلانه قبل توجهه إلى عنتيبي: "إننا سنتخذ إجراءات كثيرة، بما فيها إجراءات عدائية لم نتخذها من قبل، منها فرض طوق أمني على قضاء الخليل"، كعقاب جماعي لانطلاق العمليات الفدائية الثلاث مؤخرًا منه... أما العرب فهم ما زالوا حيث إن لم تك مع نفسك فمن ذا الذي سيكون معك؟؟!!