[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
اليوم وقد انفرط عقد الاتحاد الأوروبي إلى حين يمكن أن نعيد النظر في تفاصيل المعاهدات التجارية والاستراتيجية والعسكرية التي تربط بين دولنا والاتحاد أو إحدى عضواته؛ لأن التخبط الكبير الذي سيطبع المرحلة الأوروبية القادمة سيمسنا بالرغم عنا ويغير من نوعية الاتفاقات القديمة المبرمة بيننا وبينهم..

هل ينتفع العرب بقراءة الأحداث التي تجري في القارة الجارة العجوز؟ حسب علمي المتواضع الجواب هو لا. لأن العرب ـ أكرمكم الله ـ لم يقرأوا الحكمة الخالدة التي قالها الإمام علي كرم الله وجهه وهي: ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار. فالعرب أمة (اقرأ) لا تقرأ وإن قرأت ـ كما قال بعض أعدائنا ـ فهي لا تفهم، وإن فهمت فهي لا تعتبر بما فهمت! العفوعن نظرتي السوداوية المتشائمة راجيا ألا تقاسموني إياها خاصة أنتم الشباب العربي من مسقط الناهضة إلى طنجة الرائعة، كونوا مختلفين عن جيلنا سباقين للاعتبار بمسار التاريخ وهو ينشأ الأمم ويصنع الحضارات ويشكل المستقبل. نحن على مشارف عصر جديد يتميز بعودة الوعي لأمم غيرنا بدأت تضع موضع النظر والشك كل الأسس التي قام عليها النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة، وتستعيد قوتها وتحمي استقلال قرارها، وتصون مصالحها، وحتى مغادرة المملكة البريطانية لقافلة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الـ23 في يونيو/ جوان يدخل في هذا المسار التاريخي، ومن الأجدر بنا كأمة عربية أن نعتبر به ونحلل أسبابه، ونفك طلاسمه، لعل الله سبحانه يغير ما بنا بعد أن نغير ما بأنفسنا! إن السؤال المهم الواجب طرحه هو: ماذا يهمنا نحن العرب لو بقيت بريطانيا عضوة في الاتحاد الأوروبي أو غادرته؟ والجواب البسيط بل الساذج عن هذا السؤال هو: لا شيء يربط بين العرب وبقاء بريطانيا من عدمه في الاتحاد! لكن الحقائق الخفية في لعبة الأمم هي أننا نحن العرب شئنا أم أبينا نحتل مكان الصدارة في لعبة الأمم، وعادة مع الأسف ما نكون الضحايا الأبرياء في مواجهات بين العمالقة والدول الأقل عملقة، وهذا كأنه قدرنا على الأقل منذ خمسين عاما، ونواصل اليوم بعد نصف قرن نفس الغياب الإرادي عن دائرة التاريخ الحديث وعن دائرة التأثير! ومن العيب ألا يتحرك العرب صلب جامعتهم أو ما بقي منها من رمز لتقييم عربي مشترك لحالة العالم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. مع العلم أن جامعتنا العربية نشأت سنة 1945 قبل الاتحاد الأوروبي وقبل منظمة الأمم المتحدة بسنوات طويلة، ونحن العرب نتكلم لغة واحدة مقابل اتحاد أوروبي يضم 28 دولة وتتكلم شعوبه 22 لغة، وعادة ما يكون عدد المترجمين في مؤتمراتهم أكثر من عدد المؤتمرين.
نحن اليوم في موقف من يريد استخلاص بعض الدروس من خروج بريطانيا، ولعل الدرس الأول هو أن الديمقراطية هي التي كانت الأساس في البناء الوحدوي الأوروبي، كما كانت هي أيضا المرجع في تفكيكه، ومن واجب العرب أن يعودوا دائما لإشراك الشعوب في سن الخيارات الكبرى التي تلزمهم حتى تكون مشاريع الحكومات مدعومة مسنودة من المجتمعات المدنية والقوى الحية. وتصوروا معي لو استشار المرحوم جمال عبدالناصر نخبة مصر سنة 1967 قبل خوض الحرب المعروفة بالأيام الستة ومنينا فيها بالنكسة (تجنبا لعبارة النكبة) لو كانت مصر على الأقل في مستوى ديمقراطية الملك فاروق وفؤاد سراج الدين لما كانت المسارات والخيارات بذلك الشكل العشوائي الذي انتهى بهزيمة، وتصوروا لو أن المرحوم صدام حسين استشار نخبة العراق قبل احتلال الكويت وفتح أبواب الجحيم على كامل المنطقة، نعم تصوروا أيضا لو أن المرحوم بورقيبة استمع لأصوات مختلفة قبل تعميم الخيار الاشتراكي الشامل سنة 1967 لما دخلت تونس في قلاقل اجتماعية وأمنية خطيرة كادت تعصف باستقرار تونس ووحدة شعبها وذهب ضحية الانفراد بالرأي أكباش فداء وطنيين في محاكمات كيدية لا تفسر إلا بعلل نفسية تمكنت من الزعيم بورقيبة عقودا من تاريخ تونس الحديث. أما الدرس الثاني الذي يمكن الانتفاع به فهو قراءة استقالة السيد ديفيد كامرون كاعتراف بالفشل وتحمل تبعات مواقفه، فالرجل كان يمكن أن يعلن حياده ويستمر في السلطة مهما كان خيار شعبه، لكنه آثر أن يتحمس لبقاء بلاده في الاتحاد ثم يستقيل لأن الناس مواقف ومبادئ لا مناصب. والدرس الأخير الذي ينفع العرب فهو ضرورة بناء المؤسسات لكل دولة وللدول إذا توحدت كما فعل الأوروبيون منذ 1957عوض حصر التفكير في الأشخاص. فالمصيبة الليبية على سبيل المثال ليس لها أسباب غير تركيز كل اهتمام النخب المتنافسة ما بعد رحيل القذافي على تشخيص مرحلة التحول والاختلاف حول من سيتولى رئاسة الحكومة الانتقالية ومن الذي سيكون رئيس الأركان على أسس قبلية وحتى مزاجية، وسبق أن التقيت بعض الإخوة الليبيين فنصحت أن يتوخوا مثال اليابان وألمانيا بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية، بل وبعد التدمير الكامل لكل المدن اليابانية والألمانية فاجتمع اليابانيون لمدة ما بين 1945 و1947 ليتفقوا على أنماط وطبيعة المؤسسات التي ستعيد تشكيل الدولة عندهم، وهي مؤسسات الإدارة والأمن والصحة والتعليم والبنية التحتية والتزموا فيما بينهم ألا يقترحوا أية شخصية لهذا المنصب أو ذاك، بل حصروا نقاشاتهم حول المؤسسات التي تتطلبها الدولتان في مرحلة ما بعد الحرب. وبعكس اليابانيين والأوروبيين نبدأ نحن العرب في أزماتنا بتعيين فلان أو علان، وينشق فريق عن فريق، ويصطدم حزب بحزب، كأننا لم نقرأ الأية الكريمة من سورة الأنفال( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). الحقيقة أننا لم نصبر بل بالعكس تنازعنا ففشلنا، ونسأل الله ألا تذهب ريحنا رحمة بنا من رب العالمين. اليوم وقد انفرط عقد الاتحاد الأوروبي إلى حين يمكن أن نعيد النظر في تفاصيل المعاهدات التجارية والاستراتيجية والعسكرية التي تربط بين دولنا والاتحاد أو إحدى عضواته؛ لأن التخبط الكبير الذي سيطبع المرحلة الأوروبية القادمة سيمسنا بالرغم عنا ويغير من نوعية الاتفاقات القديمة المبرمة بيننا وبينهم، ولأن لبريطانيا أهمية قصوى في تحديد علاقاتنا بالاتحاد بسبب العلاقات التاريخية المتميزة بين العالم العربي والمملكة المتحدة منذ القرن التاسع عشر. فهذه الدروس يتوجها درس أساسي علينا استخلاصه، وهو ضرورة الوحدة العربية لأنها أيسر من الوحدة الأوروبية وأصلب عودا ستحقق لو سعينا إليها مصالح حيوية عربية تحمي شعوبنا من التجزئة والهشاشة وفقدان الوعي الحضاري. لكن هذا الملف أمر مختلف ويبدو أنه لم يحن أوانه بعد ولله الأمر من قبل ومن بعد.