[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
المتتبع لصيرورة مسار التصريحات الإعلامية الرسمية في الحياة الوطنية يلاحظ أن جزءا كبيرا منها لا يتعامل بشكل احترافي ومهني مع ما نطلق عليه بالرسائل الرسمية التي تصل إلى الجماهير أو الرأي العام, وقد عايشنا خلال الفترة الماضية العديد من الأمثلة الرسمية على ذلك للأسف الشديد...

حرصت العديد من الدول منذ انتشار الإعلام بمختلف أشكاله وأنواعه وتوجهاته وخصوصا الإعلام السياسي على العناية بما يطلق عليه بالخطاب الإعلامي الرسمي والذي يوجه للشعب أو الجمهور، سواء كان ذلك الخطاب موجها من قبل القيادات السياسية كالحكام والوزراء أو ما دون ذلك من المسؤولين في المؤسسات الحكومية كوكلاء الوزارات وغيرهم, من الذين يمكن أن يكون لهم دور مباشر ومؤثر من هذا القبيل أمام الرأي العام, وفي مختلف المناسبات الرسمية كاللقاءات الإعلامية والصحفية أو المؤتمرات أو حتى من خلال الكلمات الارتجالية التي يمكن أن تفرضها الظروف على المسؤول في وقت من الأوقات, والمتتبع (للخطاب الإعلامي الداخلي الصادر من الأجهزة الحكومية العربية، دون النزوح إلى التعميم المطلق ـ كما تشير إلى ذلك الإعلامية السعودية فضيلة الجفال ـ يجد أنه لا يركز على الرسائل التي تصل إلى الجماهير، بقدر ما يقدم صورة نمطية لخطاب تقليدي ثابت. خطاب "دفاعي" في الأزمات، وغير مقنع عادة للرأي العام، وهذا ما يخلق أزمة ثقة بينه وبين الجمهور الذي يبحث بالتالي عن بدائل. وتظل الرسائل التقليدية المطروحة والجهد المبذول يراوح في مكانه من دون فائدة).
وإذ نحرص على تكرار الكتابة في هذا الموضوع بشكل دائم ومستمر؛ فذلك من باب أهميته الخطيرة للغاية من جهة والتي تؤثر على استقرار الوطن والنظام السياسي بوجه عام وثقة الجمهور في مؤسسات دولته والمسؤولين القائمين على خدمة الصالح العام فيها على وجه الخصوص, وهو ما يعكس حالة مدنية غير صحية بين طرفين لا محال أو بد من تناغمهما معا وثقتهما ببعض واستمرار تدافعهما الإيجابي حتى تتحرك عجلة التنمية نحو الأمام بكل قوة وثبات ويسر, أما من جهة أخرى فذلك لتكرار واستمرار نفس التجاوزات والأخطاء والتسرع في الخطاب الإعلامي الرسمي وخصوصا الارتجالي منه ودون حسم نهائي أو تقنين أو احتواء لتسرع وعدم احترافية الخطاب الرسمي الموجه للرأي العام, وهو أمر كما سبق وأشرنا خطير واستمراره غير مقبول في وقت ارتفع فيه مستوى الثقافة والوعي السياسي للمواطنين وخصوصا فئة الشباب منهم, بغض النظر عن مستوى نضج ذلك الوعي أو قناعتنا به, ما سيؤدي مع تكراره واستمراره من وجهة نظرنا إلى اتساع هوة انعدام ثقة الرأي العام في مؤسسات الدولة والمسؤولين, وهو أمر لا يجب التهاون به وبخطورة انعكاساته القائمة والقادمة.
وفي هذا السياق أذكر أنني كتبت عددا لا بأس به من المقالات والدراسات أذكر من بينها مقال القرارات الرسمية بين سياسات التعتيم وإشكالية التسرع وتأثير القرارات على الرأي العام، وانعكاس ذلك على منظومة الأمن والاستقرار الوطني، وهي مقالات تناولت إشكالية القرارات والتصريحات الإعلامية الرسمية وتأثيرها على الرأي العام، وانعكاس كل ذلك على الأمن والاستقرار، وثبات المؤسسات الرسمية، ونظرة الرأي العام حيالها وحيال المسؤولين بها، سواء كانوا من الوزراء أو وكلاء الوزارات أو ما دون ذلك من المسؤولين بها.
والمتتبع لصيرورة مسار التصريحات الإعلامية الرسمية في الحياة الوطنية يلاحظ أن جزءا كبيرا منها لا يتعامل بشكل احترافي ومهني مع ما نطلق عليه بالرسائل الرسمية التي تصل إلى الجماهير أو الرأي العام, وقد عايشنا خلال الفترة الماضية العديد من الأمثلة الرسمية على ذلك للأسف الشديد, وهو أمر لا نبالغ حين نؤكد أنه بالغ الخطورة على عدد من نواحي الحياة الوطنية القائمة والمستقبلية من خلال ما يمكن أن يخلفه على النفسية والثقافة الجماهيرية كإثارة الرأي العام ورفع درجة الحساسية والامتعاض والسخط لدى المتلقي أو الشارع, وتوجيه رسائل رسمية غير إيجابية في أوقات من الضروري مراعاة هذا الجانب خصوصا, ومن بين تلك النواحي الوطنية التي يمكن أن تتأثر جراء هذا الأمر, الأمن والاستقرار والثقة في المؤسسات الحكومية والمسؤولين في الدولة وهما أمران أساسيان لاستمرار البناء والتنمية ومن دونهما لا محالة من اضطراب الحياة، واتساع هوة التنازع السياسي بين أطراف الحراك الوطني "لا قدر الله".
وتؤكد الكثير من الدراسات الأكاديمية المتخصصة، سواء في الشأن الأمني أو السياسي أو النفسي أو الإعلامي ذات الصلة باستقراء علاقة القرارات والتصريحات وتأثيرها بالرأي العام وانعكاس ذلك على منظومة الأمن والاستقرار, من أن الأثر والتأثير الذي تتركه القرارات والتصريحات والرسائل الإعلامية الرسمية السلبية والتي ينتج عنها انعكاسات غير مرحب بها لدى الرأي العام على المديين المتوسط والطويل يكون عميقا وشاملا وخصوصا على الأمن والاستقرار الوطني من نواحٍ عدة, يقع على رأسها التراجع التدريجي لمنسوب الثقة في النظام السياسي ككل, ومؤسسات الدولة والقائمين عليها على وجه الخصوص, من خلال افتقاد الطمأنينة والإحساس بالانتماء والولاء للأرض والوطن وتأثيره على الهوية الوطنية, وهي من وجهة نظري أهم الأسس وأبرزها مساهمة في تحقيق الاستقرار والأمن أو تتسبب في الفوضى والإخلال بالمنظومة الأمنية والسياسية.
وهو ما يؤكد لدينا كل يوم ضرورة الحرص والاهتمام الرسمي والمؤسساتي العاجل بهذا الجانب من جوانب الحياة الوطنية الرسمية ذات الصلة بالتعامل مع الجمهور أو الرأي العام من قبل المسؤولين في الدولة، سواء كانوا من القيادات السياسية "الوزراء" أو ما دونهم من المسؤولين كوكلاء الوزارات أو من يمكن أن يقدر له ضرورة تخاطبه أو توجيه رسائل معينة من خلاله إلى الرأي العام أو الجمهور, وهنا نطرح النقاط الآتية للتعامل مع هذا الوضع من خلال مسارين, أولهما المسار المؤسساتي:
(1) استحداث مؤسسة إعلامية سياسية يكون لها الصفة الرسمية "الحصرية" والصلاحيات المطلقة في مخاطبة الجمهور وخصوصا في قضايا الرأي العام في مختلف جوانب وقضايا الحياة الوطنية السياسية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية وغير ذلك.
(2) وجود متحدث إعلامي أو ناطق رسمي للحكومة، وهي مهنة رسمية ليست بدعة نستحدثها في الحياة الوطنية العمانية رغم الانتقاد والرفض الذي طالما سمعناه من قبل بعض الرسميين الحكوميين لاستحداثها وما قدموه من مبررات, ويعتبر الناطق أو المتحدث الإعلامي الرسمي ذا أهمية وطنية بالغة في ظل تعدد وسائل الإعلام وتنوعها في منطقتنا لضرورة العمل الجاد لبناء نظام متكامل للاتصال ودقة المعلومات عبر تبني أفضل الممارسات لتطوير قنوات الاتصال، وضمان أعلى معايير الشفافية في مجال الاتصال الجماهيري.
أما المسار الآخر وهو مسار التقنين والاحتواء والذي يمكن أن يتم التعامل من خلاله مع هذا الجانب الهام في الحياة الوطنية، كما سبق وأشرنا, فيمكن كذلك احتواء العديد من العقبات والتحديات التي يمكن أن تقع وتؤثر سلبا على الرأي العام جراء انعكاسات التصريحات الإعلامية للمسئولين في الدولة. وذلك من خلال النقاط الآتية:
(1) احتواء التصريحات الإعلامية الارتجالية بقدر المستطاع من خلال التوجيه بذلك رسميا, خصوصا تلك التصريحات التي يمكن أن تلامس دخل الفرد ومعيشة المواطن أو تؤثر في وجهة نظر الرأي العام حيال الدولة ومؤسساتها والتوجهات الرسمية حيال المواطنين.
(2) في بعض الحالات التي يكون فيها من الضرورة اتخاذ قرارات مصيرية ومؤثرة على الأوضاع سالفة الذكر, فإنه يجب الحرص على اختيار العبارات والجمل والكلمات بدقة متناهية, وأن تبعث للرأي العام من خلال رسائل إيجابية أو طرق ووسائل يمكنها أن تخفف من ردة الفعل الجماهيري حيال ذلك.
(3) التوجيه الرسمي بعدم مخاطبة الجمهور أو الرأي العام أو الإعلام إلا من خلال الدوائر الإعلامية للمؤسسات الرسمية ومن خلال إعلاميين متخصصين في تلك المؤسسات.
(4) إن كان ولا بد من مخاطبة الجمهور ارتجاليا وهو أمر وارد وضروري في أحيان كثيرة من باب الدعاية الرسمية أو التسويق الإعلامي لأعمال المؤسسات الخدمية فإنه لا بد من الحرص على إيجابية الرسائل والخطاب الإعلامي الصحفي، والحذر الشديد من توجيه رسائل سلبية يمكن أن ترفع من السخط والامتعاض، وبالتالي تراجع ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة والمسؤولين بها.
(5) الحرص على زيادة الدورات التخصصية فيما نطلق عليه في العلاقات العامة بمهارات الاتصال مع الجمهور أو الرأي العام وخصوصا لدى مسؤولين المؤسسات الخدمية خصوصا.
قد يقع المسؤول الحكومي في إشكالية وتحدٍّ أكبر في هذا السياق, وخصوصا في المواقف التي تستدعي الارتجالية في الطرح, وهو ضرورة المكاشفة والمصارحة الرسمية حيال بعض القضايا الوطنية الحساسة والمؤثرة سلبا على الرأي العام, والتي تستدعي الحذر والدقة والمصداقية في طرحها, ونعتقد أن إخفاءها أو عدم الدقة والصراحة في طرحها أخطر بكثير من الجهر أو المصارحة بها, وخصوصا تلك القضايا التي يجب أن تناقش في المجالس البرلمانية كمجلس الشورى ومجلس الدولة على سبيل المثال من باب العمل البرلماني, أو تلك التي يجب إطلاع الرأي العام حولها لمشاركته وإبداء الرأي حيالها من باب التشاركية السياسية في صناعة القرار السياسي والوطني وما إلى ذلك, وهنا نوجه إلى ضرورة وأهمية اختيار المصطلحات والعبارات، وتوجيه الرسائل بشكل أكثر احترافية ومهنية وإيجابية. وبمعنى آخر يجب أن يكون المسؤول هنا وفي هذا النوع من المواقف ذا إمكانيات إعلامية وخطابية احترافية ومهنية، قادرا من خلالها على موازنة الطرح ما بين الشفافية والصراحة، وكذلك ما بين الحذر والدقة في توجيه الخطاب الإعلامي والرسائل إلى الجمهور أو الرأي العام.