[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ما زال مشهد متفحمي الكرادة في بغداد متجمدا في عيني لشدة هوله .. صور تظل تتراءى حتى لو تناساها المرء. من المؤكد أن أبا بكر البغدادي استمتع به وقدم للفاعل هدية ثمينة على ما ارتكبه. بل إن كل إرهابي في هذا العالم لم ينصت لاستغاثة الضحايا، ولم تفجر به كلمات الشيخ خالد الملا أي إحساس بالتوبة أو خلع انتمائه من شلة القتلة.
حاولت النسيان، لكن الذاكرة عن العراق تأبى أن تغلق في هذا الوقت بالذات .. وكيف لي أن أنسى إذا ما قارنت بين أمس صدام حسين وتلك المعارضة العراقية التي حملتها دبابة أميركية إلى بغداد وقامت بتنصيبها على العراقيين، ثم وعد هؤلاء بأن الديمقراطية قادمة والخير العميم آتٍ، والحرية ستعم أرجاء البلد، ولن يبقى هنالك معوز أو فقير، كل سيصيب حصته من النظام الجديد الذي كم ردد أنه قادم لإنهاء حكم الديكتاتور، لكنه لم يقل كلمة في فساده، فإذا بهذا الفساد جاء معه، والسرقات لم تعرف في أية عهود عراقية مثلما حدثت في عهد "المعارضة" التي كم نامت على أفرشة وثيرة في الوقت الذي كان الحصار الدولي على العراق يقتل الأطفال والشيوخ والنساء ويصنع في العراق حالة يأس مفتوحة المدى.
مثلما فعل البريطانيون محكمة تشيلكوت، كان على هؤلاء العراقيين أن تقام لهم محاكمة مشابهة، لما اقترفوه من موبقات بحق شعبهم، وبتعاملهم مع الاحتلال الأميركي وقبله خدم في حضرة البريطاني والأميركي وغيرهم. تماما مثل تلك "المعارضة" السورية التي خرجت من سوريا بدولار واحد فإذا أقل واحد منهم من أصحاب الملايين، وإذا ما قيل لأحدهم عد إلى سوريا فهو لن يعود إلا إذا تأمن له المنصب الذي يكمل من خلاله سرقاته.
مصيبتنا ليس بما قاله تشيلكوت عن بريطانيا وأميركا وإن كان قد عرى توني بلير وآخرين والاحتلال الأميركي، واعتبر احتلال العراق ضربة قاضية على رأس هذا البلد وخطأ جسيما، بل بأولئك العراقيين من "المعارضة" الذين قفزوا منذ خطواتهم الأولى في بغداد ليسكنوا كل مكان يحقق لهم المال الوفير على حساب بلد كان في ذلك الوقت قد خسر نظامه ودولته وجيشه ومؤسساته وحياته الطبيعية، يروحون ويجيئون بحماية الدبابة الأميركية ويتحدثون بصوت عالٍ من خلال الاستقواء بها، تماما كما هي حال "المعارضين" السوريين الذين ما زالوا يخدعون أنفسهم قبل شعبهم الذي اكتشفهم على حقيقتهم الشبيهة بما كانت عليه "المعارضة" العراقية حينما عاشت في بريطانيا أو أميركا وغيرها، وليس من فكرة لديها سوى أن تصل بغداد يوما لتأكل الجبنة، وقد أكلتها بكل أسف تاركة الفتات لشعب ضحى الكثير ولم يزل.
سيتكرر مشهد الكرادة كما قال الشيخ الملا الذي بكى على المنبر وهو يتذكر شهداء المكان ونحيب أهاليهم. فهذا هو العراق الذي بشرت به المعارضة، وهذه هي سوريا كما تريدها معارضتها مجرد حطام ومئات آلاف الققتلى.
لو كان دوستويفسكي حيا لشرّح نفسية هؤلاء في رواية، ولكتب فيهم ما هو حقيقة وصفهم .. إنهم مجرد أسماء يعرفهم شعبهم جيدا، وأمامنا تجربة "المعارضة" العراقية، فعلى أي دبابة ستدخل "المعارضة" السورية لو تأمن لها أن تفعل .. لكنها ستظل حيثما هي لأن من جرب المجرب كان عقله مخرب.