يبدو كيان الاحتلال الإسرائيلي ماضيًا بكل عنفوانه نحو استكمال مشروعه التهويدي للأرض الفلسطينية عبر آلة الاستيطان التي لم تهدأ وتيرتها منذ أن أزاحت الولايات المتحدة "راعية عملية السلام" الستار عن خرائطها ومشاريعها ورؤاها لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فلم تسر آلة الاستيطان بهذه السرعة الجنونية المخالفة للقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي، ولم تواصل ارتكاب جرائم الحرب إلا بعد أن شقت واشنطن الطرق السياسية مثيرة الزوابع تارة بخريطة الطريق، وتارة ثانية بالمؤتمرات (كمؤتمر أنابوليس ومؤتمر باريس) وتارة ثالثة برؤية حل الدولتين، حيث كانت هذه كلها ولا تزال غطاءً لما يقوم به كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتعبيدًا للطرق أمام آلة الاستيطان لالتهام ما تبقى من أرض فلسطين، ذلك أن كل ما طرحته راعية عملية السلام (أميركا) من رؤى وخطط هو عبارة عن ملهاة وتوفير للوقت لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وعارٍ من الجدية وخالٍ من رؤى واضحة مبنية على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وعلى التمسك بحدود عام 1967، فضلًا عن أن الانتقال من مشروع إلى آخر ومن رؤية إلى أخرى لحل الصراع يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك عدم الجدية وممارسة الخداع والعزف على وتر العواطف العربية والفلسطينية. ومن يقارن بين الوضع في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين قبل إعلان الولايات المتحدة خطة خريطة الطريق وحل الدولتين وما بعد إعلانهما، سيجد البون الشاسع، وسيجد النقلة النوعية والكبرى في اغتصاب الحقوق الفلسطينية وتمكن كيان الاحتلال الإسرائيلي من التهام مساحات شاسعة وتهويدها في الضفة والقدس، بل إن تهويد القدس وخاصة القدس الشرقية وجدار الفصل العنصري، وتقسيم المسجد الأقصى لم ينجح فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي إلا في ظل أطروحات واشنطن الجوفاء حول عملية السلام، والوقوف إلى جانب حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي في لعبة استغلال الوقت عبر المفاوضات العبثية.
اليوم يُحكِم كيان الاحتلال الإسرائيلي حصاره المشدد وقبضته العسكرية على مدينة الخليل وقراها جنوب الضفة الغربية، معلنًا قراره بتوسيع المستوطنات في المدينة، بالتزامن مع استباحة حرمة المسجد الأقصى وإطلاق عصابات المستوطنين في باحاته وأحرامه، وكذلك مع الإعدامات الميدانية بحق الفلسطينيين العزل، متخذًا من كذبة محاولة الهجوم على جنوده مبررًا لجرائمه البشعة بحق النساء والشباب الفلسطينيين. وفي الوقت الذي يعمل فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي جرائم حربه ويستبيح حرمات الإنسان الفلسطيني وحرمات المقدسات ويعيث في الأرض فسادًا، تواصل الولايات المتحدة "راعية السلام" تعزيز آلته الحربية بآخر ما توصلت إليه وأنتجته مصانع السلاح الأميركي، فطائرات "أف 35" المتطورة جدًّا تمثل دليلًا على أولوية خيار الحرب والعدوان وتفضيله وتقديمه على خيار السلام والاستقرار.
لذلك ليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية حصول تحول ما في مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يفضي إلى إنصاف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية واستعادتها حقوقها المسلوبة وحريتها، إلى جانب أن الوضع العربي والفلسطيني الحالي المتأزم والمأزوم والمنقسم له دوره الكبير في تمكين الاحتلال الإسرائيلي من التغول في المنطقة وزعزعة استقرارها.