[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
رصدت منظمات إسلامية ارتفاعا حادا في عدد الحوادث ضد المسلمين منذ صدور نتائج الاستفتاء، الكثير منها مرتبط مباشرة بقرار خروج بريطانيا من الاتحاد. فقال المجلس الإسلامي في بريطانيا، الذي يضم الكثير من المنظمات الممثلة لنحو 2.7 مليون مسلم إنه جرى الإبلاغ عن أكثر من 100 جريمة كراهية منذ صدور نتيجة الاستفتاء.

من حجج التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو من الأسباب التي يسرت للتصويت بغالبية قليلة للخروج من الاتحاد الأوروبي، البريكست، كما اصطلح عليه في مختصره الإنجليزي وشاع إعلاميا، هو الحملة الواسعة ضد الهجرة والمهاجرين وادعاء تأثيرهم على أسواق العمل وبرامج الرفاه الاجتماعي، وارتفاع نسب البطالة والبحث عن عمل، وتأخر الحصول على المعالجة الطبية أو السكن بسبب قوائم الانتظار الطويلة، ولا سيما من أصحاب الأصول غير البريطانية. وهذه الأمور تركت تداعيات ليست جديدة ولكنها تصاعدت بشكل لافت للانتباه والحذر، في قضايا التمييز العنصري، والكراهية وتفاقم العلاقات العنفية بين مكونات المجتمع البريطاني نفسه، لا سيما وأنه مجتمع معروف بتعددية واسعة، إثنيا ودينيا وثقافيا واجتماعيا أيضا.
رغم ذلك، فالممارسات المتعددة من جهات رسمية أو من مؤسسات حكومية في التفريق بين المكونات الأساسية للمجتمع وطرق التعامل اليومي مع الأفراد منها دفع بضرورة دق أجراس إنذار ولفت انتباه إلى أن هذه التصرفات تقود إلى تفاقم العنصرية، ومن ثم انتظار عواقب وخيمة بالتأكيد لا ترضي أحدا، وقد تكون عاملا معجلا، أو أصبحت، في الهروب من السفينة من متزعمي حملة البريكست، لا سيما بوريس جونسون، عمدة لندن السابق والمرشح قبلها لمنصب رئيس حزب المحافظين والحكومة البريطانية من بعد. وكذلك استقالة نايجل فاراج زعيم حزب استقلال بريطانيا، يوكيب، الذي يوصف بالحزب العنصري في المملكة، والذي اعتبر يوم نتائج الاستفتاء يوم استقلال بريطانيا، وربما غيرهم بالتوالي. وهذه مؤشرات تنذر بما لا يحمد عقباه في بريطانيا أولا وفي عموم أوروبا، كالأواني المستطرقة، ثانيا.
تنادت صحف ووسائل إعلام بريطانية لهذا الموضوع، فسبقت صحيفة التايمز البريطانية بتقرير لها (27 حزيران/ يونيو 2016) مشيرة إلى تصاعد الاعتداءات العنصرية بعد الاستفتاء خصوصا. وذكرت الصحيفة أن مركزا اجتماعيا للبولنديين في مدينة برمنجهام تعرض لكتابات عنصرية على جدرانه، كما وقعت مظاهرات خارج مسجد بالمدينة، رفعت فيها لافتة تقول "اللاجئون المغتصبون غير مرحب بهم". كما نقلت الصحيفة عن البارونة وارسي، التي توقفت عن دعم الخروج من الاتحاد، بعدما شعرت أن الحملة فيها اتجاهات معادية للمهاجرين، قولها إن الأجواء في شوارع بريطانيا ليست على ما يرام. وأعلنت وارسي، في حديثها للتايمز، إنها قضت أغلب وقتها في الحديث مع المنظمات والجمعيات العاملة في مجال مكافحة العنصرية. وأشارت الصحيفة إلى أن الشرطة تحقق في احتمال تصاعد العنصرية بعد البريكست، وتدعو المواطنين إلى التبليغ عن أي حادث. كما دفع تصاعد التوتر والخوف بممثلي الجمعيات المدنية إلى دعوة زعماء حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى التدخل والحديث ضد كراهية الأجانب، بدل الصراع على الزعامة والحكم.
خلال أسبوع واحد من ظهور نتائج الاستفتاء، قالت الشرطة البريطانية إن التقارير التي تصلها عن جرائم الكراهية قفزت أكثر من 400 في المئة. وأعلن مجلس قادة الشرطة أن 331 حادثة كراهية أبلغ عنها، ما يمثل خمسة أضعاف المعدل الأسبوعي لهذا النوع من الجرائم البالغ 63 جريمة كراهية أسبوعيا. وقالت الشرطة إن منشورات عدائية ضد البولنديين وزعت في مدينة بوسط إنجلترا، كما لطخ مركز ثقافي بولندي في لندن برسم جرافيتي بعد ثلاثة أيام من الاستفتاء.
من الحوادث اللافتة، التي تكشف عن الروح المعادية المتصاعدة، قيام زعيم حزب الاستقلال فاراج، قبل استقالته، بعرض لوحة دعائية ضخمة لحشود من المهاجرين الآتين إلى أوروبا عبر البلقان، خلال أزمة النزوح السوري، وكتب عليها عبارة "نقطة عدم الاحتمال". على أثر ذلك عبّر زعماء بولنديون ومسلمون في بريطانيا عن قلقهم بعد موجة من جرائم الكراهية ذات الدوافع العنصرية في أعقاب استفتاء البريكست. والتي استغلت فيه موضوع الهجرة أبشع استغلال، حيث وضعت في صور تحرّض ضد الهجرة عموما والمهاجرين المسلمين خصوصا، إذ استخدمت خطر قبول عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي واحتمال أو تقدير أكثر من مليون مهاجر مسلم منها إلى بريطانيا، والعمل على هذا السبب الافتراضي وتكريسه في بعث الكراهية وتصعيد العنصرية لدى الناخب البريطاني والمجتمع البريطاني عموما.
رصدت منظمات إسلامية ارتفاعا حادا في عدد الحوادث ضد المسلمين منذ صدور نتائج الاستفتاء، الكثير منها مرتبط مباشرة بقرار خروج بريطانيا من الاتحاد. فقال المجلس الإسلامي في بريطانيا، الذي يضم الكثير من المنظمات الممثلة لنحو 2.7 مليون مسلم إنه جرى الإبلاغ عن أكثر من 100 جريمة كراهية منذ صدور نتيجة الاستفتاء. وصرح شعاع شافي الأمين العام للمجلس "تواجه بلادنا أزمة سياسية أخشى أن تهدد السلام الاجتماعي". وذكر فياض مورغال مؤسس جماعة تراقب الهجمات ضد المسلمين إن جماعته تلقت تفاصيل نحو 30 حادثا، منها هجوم على مسلمة عضو بأحد المجالس البلدية في ويلز وطلب منها حزم أمتعتها للمغادرة، وصياح رجلين في وجه سيدة ترتدي حجابا خلال توجهها إلى مسجد في لندن وقولهما "صوتنا من أجل أن تغادروا بريطانيا"!
عبرت السفارة البولندية في لندن في بيان عن شعور بالصدمة والقلق العميق إزاء الإساءة للأجانب وقالت إن اتصالات رسمية حصلت بين العاصمتين، وارشو ولندن. ويعيش في بريطانيا عدد كبير من البولنديين منذ الحرب العالمية الثانية وزاد العدد بعد انضمام بولندا للاتحاد الأوروبي في 2004. حيث يعيش نحو 790 ألف بولندي وفقا لأرقام رسمية صدرت في 2014 وهم ثاني أكبر عدد لسكان بريطانيا الذين ولدوا في الخارج بعد الهند. ولديهم مبنى باسم جمعية اجتماعية وثقافية بولندية في لندن افتتح في 1974 وهو المقر لأغلب المنظمات البولندية في بريطانيا، وتستأجره جمعيات أخرى لنشاطات ثقافية أيضا.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد أعرب أكثر من مرة عن القلق البالغ إزاء تصاعد التعصب والعنصرية حول العالم. وقال في فعالية بالجمعية العامة للأمم المتحدة حول القضاء على العنصرية والتمييز العنصري، قبل البريكست: "إنني أشعر بالقلق البالغ إزاء تصاعد التعصب والآراء العنصرية والعنف المدفوع بالكراهية حول العالم". وأضاف: "إن التمييز العنصري والعنف ضد مجموعات معينة يتصاعدان، وإن المشقة الاقتصادية والانتهازية السياسية تثيران عداء متزايدا تجاه الأقليات، يتجسد هذا بشكل مباشر في التعصب والاعتداءات والعنف ضد اللاجئين والمهاجرين خاصة ضد المسلمين".