[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

ماذا يعني للأنظمة السياسية في الخليج،على وجه الخصوص، إقدام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على تشكيل حكومة،، مقاتلة،، بعد أن مني بهزيمة شخصية في الانتخابات البلدية؟ وماذا تعني حكومة مقاتلة؟ وإلى ماذا تنصرف دلالتها؟ وقد استخدم هولاند،، حكومة مقاتلة،، بالاسم نفسه، والاسم له دلالات عديدة وابعاد عميقة في مضامينها وفي توقيتها الزمني، ويجب أن يعني ما يحدث في باريس الآن كل الدول خاصة تلك التي تشعر بالحمولة الاجتماعية الثقيلة على كاهلها، وبلادنا من أوائلها، وبلادنا قد سبقت هولاند في الاعتداد بالحمولة الاجتماعية منذ عام 2011، لكن ما حجم نجاحها؟ وما هي نسبته؟
من هنا يعنينا كثيرا التعاطي مع هذه القضية الخارجية، من عدة نواحي: ابرزها، أنها تؤكد على مصداقية ذلك النهج العماني من جهة وتدفع بنا إلى التمسك به وتقويته من جهة ثانية، ولأننا قد قطعنا في معركتنا أشواطا كبيرة، وننتظر أشواطا أخرى كبيرة من جهة ثالثة، ولأنه كان من بين استشرافاتنا ومطالبنا الوطنية قبل وبعد ذلك العام لإدارة أزمة قبل أن تقع، وحلها عندما وقعت من جهة رابعة، ولا نزال نحمل لواءها في معركة مفتوحة، يؤكد استمرارها الآن هولاند، ونستشرف بأنها أي المعركة سوف تتجاوز الحدود الوطنية للدول من هنا على أنظمتنا الخليجية ان تعتد بحمولتها الاجتماعية ،، استدراكا وتصحيحا،، لأخطاء استراتيجية لا تزال قائمة إن أرادت الأنظمة ان تحافظ على مكتسباتها ومن بينها حالة الاستقرار في بلدانها، بل وبقاء شرعية الأنظمة نفسها مثل ما يفعل الآن هولاند الذي حدد هدفا واحدا لحكومته الحربية، وهو كسب رضا الفرنسيين في استجابة تلقائية وفورية من هولاند لرسالة الناخبين حيث وقفت ضده (155) مدينة فرنسية في الانتخابات البلدية بعدما كانت منذ مئة عام تقف لصالح حزبه، هذه رسالة قرأها هولاند بصورة عاجلة، واول ما اقدم عليه تعيين رئيس وزراء جديد لرئاسة حكومة حرب مصغرة لكسب الفرنسيين قبل أن يقصوه، وقبل أن تتحول فرنسا إلى دولة متشددة في عنصريتها، وهذه الرؤية الاستشرافية سوف نؤكدها من خلال عدة مؤشرات خطيرة حدثت بعد فوز اليمين الفرنسي في الانتخابات البلدية، فأول ما أقدموا عليه، الغاء قوائم الطعام البديلة للحم الخنزير في البلديات التي فازوا بها، وهذا سوف يجلب غضب الجاليات المسلمة واليهودية في فرنسا التي تحرم أكل لحم الخنزير، ويسعى هذا اليمين إلى إغلاق المسالخ التي تقوم بالذبح الحلال، فكيف لو تسلم هذا اليمين السلطة السياسية في فرنسا؟ بل اوروبا؟ وهذا احتمال سوف يأتي على أنقاض فشل الأنظمة السياسية المعتدلة على الصعيد الاجتماعي، مما يعني أن معيار فشل ونجاح الأنظمة قد أصبح الآن مرتهنا بالرضا الاجتماعي، وهذا تؤكده وتذهب به بعيدا إلى خارج الحدود حالة فشل هولاند في الانتخابات البلدية، فلماذا فشل؟ فشل لأنه لم يوف بأهم وعوده الاجتماعية، وابرزها محاربة مشكلة الباحثين عن العمل وهي واحدة من أهداف حكومته الرئيسية عام 2013، غير أن ذلك لم يتحقق، فقد زاد اعداد الباحثين عن عمل، وبلغ (3.3) مليون، والمفارقة أن الزيادة في اعداد الباحثين قد بلغت في عام الوعد (5.3%) بدلا من خفضها، فيما تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من (13%) من سكان فرنسا يعيشون تحت خط الفقر، ويبلغ التعداد السكاني لفرنسا حاليًّا (60) مليون نسمة، هذه طبيعة الأسباب التي حولت الفرنسيين من اليسار إلى اليمين أي اختيار المتطرفين، وهي أسباب نجدها منتشرة في كل العواصم العربية والأجنبية بما فيها العديد من عواصمنا الخليجية، وبالقياس والمنطق إلى متى سيظل الوضع فيها هادئا؟ وما احداث عام 2011 عنا ببعيد، وقد تجد هذه العواصم في خطوة الرئيس هولاند الحل، فهو قد اختار حكومة حرب مصغرة لحسم معركة داخلية لصالحه ولصالح حزبه بل ولأوروبا والعالم كله في ضوء مؤشرات على تصاعد نجم اليمين في أوروبا على خلفية اخفاق الأنظمة فيها على ضمانة حقوق مواطنيها الاقتصادية الأساسية وفرنسا أنموذجا، إذن، هي حكومة حرب سيكون جل همها تأمين حق العمل للفرنسيين وحق الكل في الحياة الكريمة، فهل ستنجح الحكومة الفرنسية الجديدة؟ التساؤل يثير مجموعة شكوك حول احتمالات النجاح والفشل معا في ظل ما تعانيه الموازنة الفرنسية من عجز كبير، ومن كل تلك الاعتبارات يأخذ المسمى،، حكومة مقاتلة،، دلالته من كون كبرى التحديات التي أصبحت تواجه الأنظمة الآن ومستقبلا ليس من خارج الحدود وإنما من داخلها، وهذا توصيف وتصنيف جديدان وواقعيان ويعبران عن حجم الخطر المخيف الذي اصبح يهدد الأنظمة الاوروبية من الداخل، فهل هو كذلك للأنظمة داخل منطقتنا العربية؟
الظروف متشابهة رغم تباينها واختلافها بين الأنظمة السياسية، فإذا كان الفرنسيون قد عبروا عن استيائهم من هولاند عبر صناديق الانتخابات، واسقطوه من السلطة المحلية، ووجهوا له بذلك رسالة عاجلة تنذره بسابقة مماثلة في الانتخابات الرئاسية المقبلة إن لم يسارع إلى التصحيح، فكيف ينبغي أن يعبر العرب عن استيائهم من فشل الفاعلين السياسيين في بلدانهم؟ الوسيلة الوحيدة أمامهم المظاهرات والاحتجاجات مع ما يترتب عن ذلك من خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة، وقد نجح هذا النوع من التعبير عن عدم الرضا في اسقاط انظمة عربية، لكنه فشل في أخرى، وفي ثالثة قسمت الشعب الواحد إلى شعبين بعد سقوط نظامها، ولا تزال تداعياتها قائمة وربما لسنوات عديدة أخرى، وربما تكون السلطنة قد سبقت هولاند في استدراك البعد الاجتماعي سريعا، وكان من نتائجه عودة الروح الوطنية للدولة العمانية في ظل تمسك برموزها وثوابتها المقدسة، وربما كان ينبغي لو تم تشكيل حكومة حرب مصغرة تدير حتى الآن عملية الاستدراكات التاريخية حتى نضمن القدرة والفعالية على تحقيق أجندة الاستدراكات وفق آجال زمنية معقولة بدلا من الاستمرار بالعدد الوزاري نفسه، وهو عدد ثقيل على المرحلة الوطنية غير الاعتيادية، وقد يغرق في البيروقراطية والنمطية، وهما عدوان لدودان لأية عملية استدراكية أو تصحيحية، وهذا لا ينفي ولا يقلل أبدا من قيمة النجاحات التي حقها الفريق الحكومي، لكننا نتطلع لنتائج أكثر وأكبر، وكان هناك ولا يزال امكانية كبيرة لتحقيقها بعد تدخل سلطتنا السياسية العليا، وتغير مفاهيم كثيرة في إدارة البلاد، وكنا قد طالبنا في عام 2011 بحكومة مصغرة تدير أزمة داخلية خلال المرحلة الانتقالية، وباريس تؤكد الآن صحة مثل هذا التوجه عبر تشكليها حكومة حرب مصغرة لمواجهة إكراهات داخلية تحولية يمكن أن يكون لها تداعيات خارج حدودها.