إذا حصل جوبيه على ترشيح حزبه، فإن معظم المحللين يعتقدون أنه قادر على الفوز على لوبان في الجولة الأخيرة. ومن شأن ذلك أن يكون مثالا مذهلا كيف أن الفرنسيين المنفعلين على نحو مفترض يضربون المثل للبريطانيين الهادئين على نحو مفترض الذين أكملوا مشوار الخروج البريطاني.

في هذه الأيام، هناك قضية واحدة تشغل أذهان الفرنسيين: إنها ليست خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما أنها ليست ما إذا كانت فرنسا ستنحو نحو بريطانيا وتستنسخ خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. بل تزايد الانقسامات في المجتمع الفرنسي، الذي يفاقمه وقع الانتخابات البريطانية.
لقد أنعش الخروج البريطاني زعيمة حزب الجبهة الوطنية الشعبي اليميني المتطرف مارين لوبان، التي تسمي نفسها مدام Frexit ، وتنادي بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. فلقد فاز حزبها بـ28 في المئة من الأصوات في الانتخابات البلدية العام الماضي، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تدخل جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة العام المقبل.
لقد تأثر أتباع لوبان بموجة العولمة وتفريغ الصناعة، لكن الناخبين قاموا بالرد على استنكاراتها لسياسات الاتحاد الأوروبي التي مكنت من زيادة المهاجرين العرب والأفغان إلى أوروبا عام 2015 (على الرغم من لا يكاد أي منهم جاء إلى فرنسا(.
إنها تعرف أن القلق الحقيقي الذي يساور ناخبيها "هو الأحياء الفقيرة في المدن أو الضواحي الفرنسية، المليئة بالمهاجرين المسلمين الشرعيين من المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا الذين يجدون صعوبة في هضم واستيعاب الثقافة.
في أعقاب الهجمات الإرهابية على باريس العام الماضي، أصبح العديد من الفرنسيين يخشون من أن هذه الضواحي يمكن أن تؤوي جهاديين. هذا الفشل واسع النطاق للاستيعاب يشكل قضية مشحونة سياسيا ونادرا ما يتم تناولها مباشرة من قبل السياسيين، في بلد تفخر (ولكن على أساس غير سليم) بالاعتقاد الجازم بأن كل المواطنين في الجمهورية متساوون. ولأن محاولة إخفاء المسألة لم تفلح فقد أصبح من السهل على الشعبويين التلاعب بها.
والسؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن تنجح لوبان في اللعب على أوتار مخاوف الناس؟
معظم النقاد هنا يشكون أنها يمكن أن تفوز بالرئاسة أو أن تتجه فرنسا نحو مغادرة أوروبا. "فأوروبا بالنسبة لفرنسا أكثر أهمية منها لبريطانيا"، بحسب سيلفي كوفمان، مدير التحرير ورئيس التحرير السابق بصحيفة لوموند.
في الواقع، أظهرت استطلاعات الرأي أن الفرنسيين صاروا أكثر تأنيا بعد الخروج البريطاني بشأن مسألة أوروبا. ففي حين أظهر استطلاع بيو للأبحاث في شهري أبريل ومايو أن 61 في المئة لديهم وجهات نظر سلبية نحو أوروبا، أشارت استطلاعات الرأي الفرنسية التي تمت بعد التصويت البريطاني أن 55 في المئة يرفضون فكرة الاستفتاء و61 في المئة يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فقد وجه نجاح الشعبويين دفة السياسة الفرنسية نحو اليمين وقطع الطريق على أحزاب الوسط بطرق قد تبدو مألوفة إلى حد ما بالنسبة للأميركيين.
الرئيس الحالي الاشتراكي فرانسوا هولاند، يعاني تراجعا شديدا في شعبيته ومن المرجح عدم فوزه في الانتخابات.
ولكن حزب يمين الوسط الجمهوري ممزق بسبب المنافسة بين مرشح واقعي وشعبوي، سينافس في أول انتخابات تمهيدية رئاسية فرنسية مفتوحة في نوفمبر.
يحاول الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي التغلب على سوء سمعته بسبب إخفاقات الماضي بمغازلة القاعدة المتشددة للجمهوريين وتبني خطاب شعبوي على غرار لوبان. فهو يعمل على برنامج لمكافحة الهجرة يؤيد القيم التقليدية لـ"فرنسا الأبدية." مثله مثل سياسي أميركي نعرفه، هو أيضا من محبي الرجل القوي فلاديمير بوتين. (يمكن للمرء أن يتخيل الثلاثي دونالد ترامب، بوتين، وساركوزي يقفون ذراعا بذراع).
من ناحية أخرى، فإن الرئيس السابق والسياسي المخضرم آلان جوبيه يحاول أن يكون صوت العقل الذي يمثل حكمة العصر، والخبرة، والذي يمكنه تهدئة الاضطرابات في فرنسا.
إذا حصل جوبيه على ترشيح حزبه، فإن معظم المحللين يعتقدون أنه قادر على الفوز على لوبان في الجولة الأخيرة. ومن شأن ذلك أن يكون مثالا مذهلا كيف أن الفرنسيين المنفعلين على نحو مفترض يضربون المثل للبريطانيين الهادئين على نحو مفترض الذين أكملوا مشوار الخروج البريطاني. ومن شأن ذلك أيضا أن يوفر متنفسا لبريطانيا، طالما أن جوبيه يريد بوضوح إيجاد وسيلة للحفاظ على البريطانيين على الأقل في منتصف الطريق في أوروبا.
أما سؤال ما إذا كانت فرنسا مستعدة لتتحلى بالعقلانية فلن يتم كشفه قبل أشهر من الآن. بل إن هناك بعض السيناريوهات التي تعطي لوبان فرصة ضئيلة للفوز بسبب وجود العديد من المرشحين الصغار الذين يمكنهم شفط الأصوات من المرشحين المفضلين.

ترودي روبين كاتب عمود وعضو هيئة التحرير بصحيفة فيلادلفيا انكويرر خدمة ام سي تي ـ خاص بـ"الوطن"