[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
في بلادنا, فإن نظرة الكثيرين إلى الكتّاب أنهم "لا يشيلون الزير من البير", هذا يعني استهانة شديدة بدور الكاتب وما ينتجه من إبداعات! في بلدنا العربية "الكل بفهم" الكل يدّعي المعرفة وبخاصة المسؤولون. أنت مسؤول إذن تفهم أكثر! تفهم في السياسة والاقتصاد وعلم الفلك وقراءة الفنجان والزراعة. نحن ضد النقد!

لعل عيسى عليه السلام كان أكثر من محق عندما قال جملته الشهيرة: "لا كرامة لنبي في وطنه/ قومه!". في الواقع .. وعلى الأغلب... فإن الدوائر المحيطة بمطلق كفاءة كتابية عربية, هي آخر من يعي ويدرك حقيقتها وفي أكثر الأحيان يدركونها بعد موت/اغتيال صاحبها. الدوائر القليلة البعيدة عن الكاتب تدرك تماما حقيقته أكثر من الأقربين. في بلادنا العربية كثيرون لا يفرقون بين الكاتب المبدع وكتّاب الاستدعاءات (مع الاحترام والتقدير لمهنتهم الشريفة) أمام المحاكم والدوائر الرسمية. بالطبع لذلك أسبابه, فأمّة تعدادها يقارب الثلاثمئة مليون من البشر, تطبع 17 ألف كتاب في السنة, وسط معدل لقراءة الفرد العربي يساوي 6 دقائق سنويا, أو ربع صفحة من أحد الكتب.
سوق الكتاب العربي بيعا وشراء لا يتجاوز 4 ملايين دولار سنويا. كل 300 ألف من العرب يقرؤون ما مجموعه: كتاب واحد سنويا. نصيب كل مليون عربي هو 30 كتابا في السنة. أما على صعيد الكتب المترجمة من لغات أخرى فإن: نصيب كل مليون مواطن عربي هو 4.4 كتاب سنويا. معروف أن الناشرين يطبعون من كل كتاب جديد (باستثناء كتّاب مثل المرحوم هيكل وغيره) 2000 – 3000 نسخة في أكثر الحالات! معروف ان المؤلف العربي لا يتقاضى عن إبداعاته سوى بضع مئات (أو قليلا من الآلاف في أحسن الحالات!) من الدولارات! للعلم كثيرون من المؤلفين يطبعون كتبهم على نفقتهم الشخصية! إن نسبة الأمية في العالم العربي تبلغ 35% (55% من النسبة المذكورة هن نساء). عدد مراكز البحث في العالم العربي مجتمعا حوالي 1500 مركز.
في بلادنا, فإن نظرة الكثيرين إلى الكتّاب أنهم "لا يشيلون الزير من البير", هذا يعني استهانة شديدة بدور الكاتب وما ينتجه من إبداعات! في بلدنا العربية "الكل بفهم" الكل يدّعي المعرفة وبخاصة المسؤولون. أنت مسؤول إذن تفهم أكثر! تفهم في السياسة والاقتصاد وعلم الفلك وقراءة الفنجان والزراعة. نحن ضد النقد! في عالمنا العربي محاولات كثيرة علنية وخفية لتحطيم نجاحات الكتّاب وتصغيرهم, باعتبار مهنتهم "لا لزوم لها!" بالفعل في مقارنة مهنة الكتابة عن غيرها, فإنه صحيح أن الكاتب لا "يشيل الزير من البير" لأنه ليس منوطا بإحداث التغيير المجتمعي, إنه يؤسس له! كذلك: لم ولا نر جحافل الآخرين من "المحترفين الثوريين" تحيط بتل أبيب! والحكومة الصهيونية على وشك استدعاء طائرة مروحية للرحيل من المبنى المخصص لها! نعم نحن نشهد تراجعا كبيرا في المشروع الوطني الفلسطيني. ما أهون تعليق التقصيرات على شماعة المؤامرة! إنها محاولة لتبرئة الذات القيادية من الفشل! ما أسباب هذا التراجع, بل الهزيمة كما في السؤال المهم الذي طرحه الكبير الراحل جورج حبش من خلال محاولات الإجابة على التساؤل: لماذا هُزمنا؟ القائد الفلسطيني, الذي يعز تكراره, وصل به التواضع إلى استشارة الكثيرين من المثقفين والكتّاب الفلسطينيين والعرب.
أستذكر قول المبدع ميخائيل نعيمة في كتابه المعنون بـ"في مهب الريح" "هل من يجهل أن موليير وفولتير وروسو وهيجو ولزاك كانوا ملوكا بغير عروش.. وكانوا أبعد أثرا في تاريخ بلادهم وتاريخ العالم من الجالسين على العروش في أيامهم إن للكتابة دولة لا تزول وسلطانا لا يحول".
في العادة, هناك أعداء للنجاح من الإطارات الضيقة القريبة, للكفاءات الكتابية, فبدلا من تشجيعها من قبل دوائرها.. يحاول البعض في تلك الدوائر تحطيمها وتصغير شأنها! كما أن بعض الموتورين والمشوهين لا يودون سماع رأي الكاتب في قضية سياسية, مع أنه يطرحها في وضعها الطبيعي! باعتبار أن الكاتب يستعرض! بالله عليكم أهؤلاء بشر؟ ولأنني أدرك صدق وأهمية هذه القضايا التي نحسها ونعيها يوميا في وطننا العربي.. تراني أكتب عنها. الكاتب .. وفضاؤه في العادة, الحرية التي يسبح بها! والذي يُفترض فيه أيضا, الإيمان بحرية القارئ واحترامه, تراه بالتالي دقيقا في استعمال تعبيراته, فالكتابة الصحفية هي أحد أشكال الوعي. الأخير بدوره هو انعكاس للواقع, بالتالي فإن المقالة السياسية هي تعبير عن هذا الواقع الذي تعيشه الجماهير العربية, هذا إلى جانب إشكالاتها الاجتماعية, الاقتصادية, السياسية والحياتية الأخرى والتي تعانيها يوميا, بالتالي فإن المقالات السياسية هي انعكاس للواقع القاسي حدود الألم, وصولا إلى الحزن في العالم العربي إن الحرية تتنافى مع الخضوع. لذا, ووفق ما قاله المرحوم سعد الله ونوس (أحد عمالقة كتاب المسرح العربي الهادف) وبما معناه: إن حرية الكاتب لا تكتمل إلا بحرية القارئ, فحرية الأول هي نظرية, مجردة, وأقصى ما يمكن أن تبلغه: تغريد منفرد يقابله تصفيق العاجزين, لذلك لا تتحقق حرية الكاتب دون أن تتزامن مع حرية كل القرّاء. يبقى القول وفي هذا المجال, وبكلمات أخرى: إن الحرية الفردية لن تكون إلا ضمن الحرية الجماعية, وهي حرية المجتمع كاملا. نعم... كم من كفاءة عربية وجدت إهمالا لها في بلدانها.. وبالتالي هاجرت ووصلت إلى مراتب عليا في الغرب؟ صحيح ما قاله السيد المسيح أن لا كرامة لنبي في وطنه ولدى بني قومه. ومع ذلك سنظل نكتب!