ليس مبالغة القول إن الجغرافيا تلعب دورًا كبيرًا في عملية التنمية وتعكس في الوقت ذاته مدى الجهود المبذولة من قبل الدولة من أجل إقامة البنى الأساسية، وتزداد وضوحًا حقيقة هذه الجهود إذا كانت الجغرافيا ذات تضاريس صعبة.
وتعد السلطنة واحدة من بين الدول التي تتميز بجغرافيا مترامية الأطراف وذات طبيعة تضاريسية متنوعة، وهذه الميزات تستلزم شبكة من المواصلات والاتصالات ذات الكفاءة العالية لربط أوصالها ودعم إمكانات التواصل بين مختلف محافظاتها وولاياتها في زمن تحسب فيه المسافات بالساعات وليس بالكيلومترات، فالزمن أصبح هو العنصر الحاسم في حركة الحياة على هذه الأرض الممتدة، وكلما تداخلت شؤون الحياة وتعددت مواقع الإنتاج والاستثمار وأيضًا النشاط السياحي الواعد الذي تلعب فيه وسائل المواصلات دورًا مهمًّا من حيث الكفاءة والسلامة ومعدلات الرفاهية. لذلك كله تكتسب جلسات مجلس الشورى للاستماع إلى بيان معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات أهميتها، فقد قامت الحكومة بجهد خارق لربط كافة أرجاء البلاد بشبكة مواصلات حديثة رصد لها الكثير من الجهد والنفقات التي أفصح عن أرقامها البيان بأن التوزيع المالي للخطة الخمسية الثامنة (2011 ـ 2015م) قد رصد لها مبلغ يقدر بأكثر من ثلاثة مليارات ريال عماني لقطاع الطرق والنقل البري، وذلك لرصف وشق وصيانة الطرق في محافظات السلطنة المختلفة لتتواكب مع متطلبات التنمية في البلاد، حيث تعمل الوزارة على وضع التشريعات المنظمة لأنشطة النقل البري للبدء في تفعيل إدارته من أجل تعزيز الاقتصاد الوطني للسلطنة، وقد أنهت مراجعة المسودة النهائية لقانون النقل البري للسلطنة، والذي يهدف إلى تنظيم أنشطة النقل البري بما يضمن توفير أفضل الخدمات في مجال نقل الركاب والبضائع لخدمة أهداف ومتطلبات التنمية الاقتصادية، فيما ينتظر أن يلعب مشروع السكة الحديد دورًا حيويًّا في سبيل الارتقاء بقطاع النقل، حيث سيمكن مشروع القطار كلًّا من موانئ صحار والدقم وصلالة من أن تصبح البوابات الرئيسية للاستيراد والتصدير لدول الخليج لتحقق الريادة للسلطنة في مجال صناعة النقل البحري، وفي هذا الإطار ـ ووفق بيان الوزارة ـ تم تأسيس شركة وطنية للقطارات تعمل كمطورٍ ومنفذٍ رئيسي لشبكة سكة القطارات الرئيسية للسلطنة. ويأتي ذلك نظرًا لما يلعبه هذا القطاع من دور كبير في تلبية احتياجات المواطنين وتنشيط الحركة الاقتصادية والاستثمارية والسياحية والتوسع العمراني، ومواكبة هذا الحراك الإنساني والاقتصادي، فضلًا عن الشق الثاني من المواصلات وهو الخاص بـ(الاتصالات) فوسائل السفر ووسائل التواصل، سواء عبر الهاتف أو عبر شبكة الإنترنت يكمل بعضها بعضًا في قضاء حوائج الناس على مستوى القطاعات الخدمية، كما يسهم في تسهيل عملية التنمية وتشجيع الاستثمار في الأماكن التي كانت في الماضي توصف بأنها أماكن بعيدة، الأمر الذي يسهم في التعجيل بالتحول نحو الحكومة الإلكترونية. وكما أوضح معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات خلال جلسة مجلس الشورى أمس فإن جهود النهوض بخدمات النقل والاتصالات لم تتوقف عند حد المواصلات البرية، إنما يشهد قطاع النقل الجوي وقطاع الموانئ قفزات تنموية والنهوض بمستوى الأداء في المطارات والموانئ خدمة للاقتصاد الوطني ولتحريك قوى السوق في مجال المنافسة.
إن مناخ الحوار الدافئ تحت قبة المجلس والمصارحة حول مختلف القضايا والبحث الهادئ عن معالجات لكافة العوائق الطارحة هو دليل على صحة المسار الديمقراطي والتفاهم بين السلطات التنفيذية وممثلي الشعب بروح من المسؤولية والتفهم لطبيعة المرحلة وما تطرحه من تحديات حتى نحتفظ لمسيرة التنمية بزخمها وديمومتها من أجل مستقبل الوطن والمواطن، وحفاظًا على طرفي معادلة النهوض وهما الإنتاج والإنسان.