[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
الأزمة بين بغداد وأربيل ليست وليدة الأحداث التي تلت سيطرة "داعش" على الموصل ورحيل المالكي، وإنما أسبابها تكمن بالدستور وتحديدا المادة 140 منه التي أبقت العلاقة بين الطرفين عائمة وغير واضحة المعالم، وتحتاج إلىإعادة النظر بالدستور، وهو أمر لايمكن تحقيقه في ظروف الانقسام السياسي الذي يعيشه العراق.

شكل لجوء إقليم كردستان إلى توقيع اتفاقية لزيادة الدعم العسكري والمالي والتسليحي الأميركي لكردستان منعطفا في مسار العلاقة مع الولايات المتحدة، وأيضا مع بغداد، لاسيما وأن الاتفاقية التي وقعها مساعد وزير الدفاع الأميركي مع وزير الداخلية والبشمرجة الكردي بحضور رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني تشير إلىأن العلاقة بين واشنطن وأربيل أخذت مسارا جديدا.
وهذا المنعطف الجديد للمسار الكردي رأى فيه الائتلاف الحاكم في بغداد محاولة للقفز على مركز القرار في بغداد، وتفرد الإقليم بقرارات هي في صلب صلاحيات الحكومة المركزية.
كما أن هذا المنعطف فاقم من أزمة الثقة بين بغداد وأربيل، ووضعها في واجهة المشهد السياسي، ماينذر بأزمة جديدة لاتشبه الأزمات التي شهدتها العلاقات بين الطرفين، لاسيما وأن كردستان أصبحت أقرب إلىإعلان الاستقلال، وفك ارتباطها بالمركز، خصوصا وأن حكومة العبادي ـ واستنادا إلى ضغوط الوضع الأمني والضائقة المالية ـ غير قادرة على تنفيذ مطالب الكرد، لاسيما المالية والسياسية.
والأزمة بين بغداد وأربيل ليست وليدة الأحداث التي تلت سيطرة "داعش" على الموصل ورحيل المالكي، وإنما أسبابها تكمن بالدستور وتحديدا المادة 140 منه التي أبقت العلاقة بين الطرفين عائمة وغير واضحة المعالم، وتحتاج إلىإعادة النظر بالدستور، وهو أمر لايمكن تحقيقه في ظروف الانقسام السياسي الذي يعيشه العراق.
فالمادة 140 لم تحسم المناطق المتنازع عليها بشكل دقيق، وترك أمر حسمها للفرقاء، فأصحبت عائمة من دون حل حاسم، وحددت لها سقوف زمنية.إلا أن حساسيتها دفعت القائمين على العملية السياسية إلى تأجيلها لأكثر من مرة،
واستثمر الأكراد الأوضاع غير المستقرة، وضعف الحكومة المركزية والخلافات السياسية بين أطرافها في تكريس تواجد قوات البشمرجة الكردية في المناطق المتنازع عليها من دون تواجد للقوات الحكومية في تلك المناطق بغياب الحلول المتعلقة بعائدية المناطق المنصوص عليها في المادة 140 لاسيما بعد سقوط الموصل.
فلم يقتصر الخلاف على المناطق المستقطعة ـ كما يصفها الأكراد ـ وإنما تعدى ذلك إلىأسس الشراكة والتحالف الاستراتيجي بين الأكراد والتحالف الوطني، وانعكاسه على خريطة التحالفات السياسية بشكل عام.
فالحكومة المركزية رأت في تمدد إقليم كردستان في اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى المركز محاولة لتكريس الاستقلال، لاسيما تمدد قوات البشمرجة في المناطق المتنازع عليها، واستغلال تداعيات الانهيار الأمني أنه تكريس لواقع يتقاطع مع سلطتها المركزية ومرجعية جميع القوات إلى القائد العام للقوات المسلحة العراقية، وهو رئيس الحكومة حيدر العبادي.
وعلى الرغم من أن حكومة العبادي استهلت عهدها باتفاق مؤقت مع إقليم كردستان إلا أنه كان هشا، ولم يُعِد الثقة بين الطرفين أو يوقف خطوات الأكراد نحو الاستقلال.
وتنازع الصلاحيات بين المركز وإقليم كردستان كان ومازال موضع قلق وخلاف بين الحكومة المركزية وسلطة إقليم كردستان، والخلاف المحتدم حول عائدية المناطق المتنازع عليها ومرجعية القوات المسلحة أدياإلى انقسام بين أركان الحكم حول آلية التعاطي معه في ظل أزمة أمنية وسياسية عطلت الأداءالحكومي والبرلماني، وشلت حركته.
ويعتقد الأكراد أن إثارة مرجعية القوات المسلحة وتسليح البشمرجة الكردية بأسلحة تفوق قدرات الجيش العراقي، وتهرب الحكومة من تنفيذ بنود المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وحسم عائديتها، فضلا عن المخصصات المالية لإقليمكردستان في الموازنات العراقية؛ كلها ملفات عالقة لم تحسم، ورثها العبادي من سلفه المالكي.
وأيا كانت اتجاهات الريح التي تخيم على مسار العلاقة بين بغداد وكردستان، فإن الانطباع السائد لدى قطاعات نافذة في المجتمع العراقي هو أن القيادة الكردية تنتظر خواتيم معركة الموصل ودور البشمرجة الكردية فيها لإعلان موقفها المتعلق بفك ارتباطها مع بغداد، وطرح هذا الخيار للاستفتاء الشعبي تمهيدا للبدء بإعلان الاستقلال. غير أن هذه الخيارات مرتبطة بتطورات الأوضاع الملتهبة في جوار العراق الإقليمي والعربي التي ستحدد ملامح خريطة المنطقة عموما، في ظل التنسيق الأميركيـ الروسي بالتعاطي مع أزمات المنطقة عموما.