[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
إن ما يحاول ترامب أن يفعله في هذا السياق غير اللائق، سعيًا وراء الرئاسة في أقوى دولة في العالم، إنما يكرس عملية تشطير الإسلام التي جرت على نحو غريب ومشكوك بدوافعه منذ إسدال الستار على الحرب الباردة مع سقوط جدار برلين 1989، أي منذ أن عد العالم الرأسمالي الغريب نفسه في حالة حرب كونية ضد الإرهاب.

بدافع من عدائية يتحمل هو فقط عناء إخفائها، طالب المرشح الجمهوري الوحيد للرئاسة الأميركية السيد دونالد ترامب كلًّا من الرئيس أوباما والمرشحة الديمقراطية منافسته، هيلاري كلينتون، "بوضع النقاط على الحروف"، وبالتأكيد على وجوب وصف الإسلام بـ"الراديكالي"، مدعيًا بأنهما إنما يغازلان الدول الإسلامية في تجنب توظيف لفظ "راديكالي" في سياق أحاديثهما عن الحرب على الإرهاب، وخاصة بعدما تعمد ترامب ركوب موجة الخوف من الإرهاب بين غالبية الأميركان جواز سفر لكسب أصواتهم.
لذا يكون من المبرر لنا، مسلمين، أن ندافع عن ديننا ومعتقداتنا الروحية بالاحتجاج على هذا المنحى العدائي المتمثل بعملية رمي الإسلام بالنار عبر تصويره مرادفًا للفظ الراديكالية، علمًا أن الإسلام هو اسم لنظام عقائدي ولتقليد روحي، يعد الأكبر انتشارًا واحتضانًا من قبل الملايين عبر العالم، مقارنة بسواه من الأديان. لذا فإن سعي ترامب لقرن "الراديكالية" باسم واحد من أكبر الأديان في العالم (إن لم يكن أكبرها على الإطلاق) إنما ينطوي على تناقض مخل بطبيعة الأشياء ومعاكس لحركة التاريخ: فلا يمكن أن يرادف المرء بين اسم دين وبين صفة لا تعتمد في العصر الحديث إلا رديفًا للحركات المسلحة والتخريبية، للأسف.
إن ما يحاول ترامب أن يفعله في هذا السياق غير اللائق، سعيًا وراء الرئاسة في أقوى دولة في العالم، إنما يكرس عملية تشطير الإسلام التي جرت على نحو غريب ومشكوك بدوافعه منذ إسدال الستار على الحرب الباردة مع سقوط جدار برلين 1989، أي منذ أن عد العالم الرأسمالي الغريب نفسه في حالة حرب كونية ضد الإرهاب. لا غرابة، إذًا، في ملاحظة المثابرة الإعلامية والثقافية على رفع صورة دين مشطر طائفيًّا، ومتنوع طرائقيًّا على سبيل البحث عن المثالب من أجل إنكاره بالكامل، خاصة وأن هذا الجهد المثابر قد فتح الأبواب على مصراعيها لكي يبث كل من يكره الإسلام والمسلمين تهمه وسمومه، ممتطيًا موجة الكراهية الدينية المنتشرة الآن إانتشار النار في الهشيم، للأسف.
وإذا كان هناك من بين قادة الرأي وأولي الأمر في العالم الغربي من يعتقد بأن ظهور الحركات الإرهابية التي تلبس لبوس الإسلام، إنما يشكل فرصة تاريخية للقضاء على هذا الدين كلية، أو لإضعافه درجة الحاجة إلى غرفة الطوارئ، عبر ما ذكر في أعلاه من أدوات وأساليب، فإنه موهوم، وعليه أن يرتد إلى التاريخ ليتأكد من حقيقة مفادها هو أن الأديان والتقاليد الروحية لا تنقرض قط، باعتبار رسوخها في نفوس المؤمنين أنماطًا نفسية جماعية archetypes تكمن في دمائهم وتجري معها، وراثيًّا ونفسيًّا كي تنبع من جديد كلما تصور الغلاة والمعادن بأنهم قد قضوا عليها في آن أو موضع معين.
وإذا ما كانت قد تناقضت صفة الراديكالية بصفة التقليد الروحي، فإن على المرء أن لا يخطئ يضيع هذه الظاهرة، (وأقصد ظاهرة التنافر أعلاه) في سياق أجواء التفرقة والصراعات الطائفية الطارئة الآن، بدليل أننا (حتى في العالم الإسلامي) لم نكن لنعي هذه التمايزات الطائفية داخل ديننا إلا عندما لفتت شبكات الإرهاب الانتباه إليها فوظفتها توظيفيًّا لا أخلاقيًّا، مقدمة رسالة المذهب على رسالة الإسلام الحنيفة، ومعتدة بتواريخ الصراع والتناحر بديلًا عن تواريخ البناء والترقي.