[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]

سيظل الخيال الثوري دافعا للشعوب المغلوب على أمرها .. وحده الخيال يجسد أحيانا حلما لا يمكن إلا أن يكون رومانسيا لكنه يبلغ الحقيقة في مواقع التحقق. فكم هي الأحلام المسيطرة اليوم على عقول السوريين والعراقيين والليبيين وغيرهم من الشعوب العربية، وكم كان لنا ذات يوم حلم الأحلام السعيدة أن نرى العرب أمة واحدة سبقها تحرير فلسطين.
حين أبحر الزهيم الكوبي فيدل كاسترو مع شقيقه راؤول (الرئيس الحالي لكوبا) وتشي جيفارا مع ما يقارب الثمانين من الرجال الذين آمنوا بتحرير كوبا، ضربتهم عاصفة شديدة لم يبق منهم سوى ثمانية أشخاص وصلوا الشاطئ بصعوبة فائقة ومنهم كاسترو نفسه وراؤول وجيفارا .. لم يعد ممكنا بثمانية أشخاص كما هو منطق الأمور تحقيق ثورة، لكن الخيال الثوري والحلم الممكن ظلا مهيمنين على بقايا الرجال إلى أن تمكنوا من حكم كوبا. إنها الطليعة التي تحملت عبء مرحلة تكوين جسمها الشعبي لاحقا، تماما كما حدث للثورة الفلسطينية التي بدأت بإعداد أصابع اليد ثم تطورت لتصبح الرقم الصعب، لكنها رسبت في امتحان القدرة على النفس الطويل فذهبت إلى أوسلو ووقعت اتفاقية إذعان تدفع ثمنها اليوم فلسطين بلا أرض، دولة لا دولة، مجرد علم يرتفع على مبانٍ ليس إلا.. بعدما أوصاهم الكل من تيتو رئيس يوغوسلافيا السابقة إلى آخرين، ومات عبدالناصر وهو يلهث بالجملة الأثيرية لديه، لا صلح لا اعتراف لا تفاوض.
لكن، هل لكل زمن مقاييسه العملانية، وهل ما كان يصدقه الحلم والخيال في زمن ما، يصلح أن يكون من دوام الحقيقة الساطعة. ربما نعم، بل نعم جازمة .. ففي زمن الفرز بين الشر والخير، بين الدولة الوطنية والقومية وأولئك المناهضين لها، لا يمكن للحلم أو الخيال أن يكون سائدا، فقط الواقعية هي المعول عليها .. إذ لا بد اللجوء إلى كل ما من شأنه أن يكون عنفا مبررا، وعليه الاعتماد أولا وأخيرا.
وإذا ما كانت القضية تخص المصير الوطني فكيف يترك للخيال أن يتقدم أو يشارك .. لا بد من الضربات القاضية، التي تقتل وتبيد، بل تكون السبيل إلى انقراض الشر بكل أنواعه. الشعوب وحدها تحلم بذلك، أما القيادة فتقوم على نهج مختلف، على الحسابات، والإمكانيات، والقدرات، وكلها من صميم الواقعية.
أقول للعرب الذين طلمتهم الحروب عليهم وما زالوا يتخبطون بها، إنه صودف إن كنتم أنتم من يدفع ثمن الوطنية والدفاع عن البلاد ضمن الشروط الحالية، ثمة من تعرض قبلكم لحوادث عنيفة مصيرية ثم مرت الأعوام والأيام، رحل الغوغاء وسلمت الأوطان، ومثلما حلم أولئك في زمنهم، فها أنتم تستعيدون الصورة ذاتها، وربما الكلام ذاته، مجبولا بالأمل المصنوع بآهات المرحلة التي مرت، صارت تاريخا وأحداثا نقرأها، كتبت في مراجع كي نستيعدها ونعرف أنها كانت ذات يوم خطرا محدقا بالبلاد وبكم.
لا بد أن نملك جميعا اليوم بكل حسنا المتفائل الواقف وسط النار، أن ثمة حلما بداخل كل منا نعرف أنه سيتحقق، وسيأخذنا من جديد إلى هدوء أضعناه ذات سنين .. لكننا تعلمنا كيف ندير مفاتيح قلوبنا إزاء قضايانا المصيرية، وكذلك مفاتيح عقولنا بما هنالك من أحلام وخيالات تتراءى لنا كأنها حقيقة قادمة لا محالة.