تستقبل مدينة صلالة الساحرة عشاقها وزوارها وقد اكتست بأبهى حلة، فخريفها قد كسا الجبال بالخضرة، وغلف قممها بالضباب الخفيف، بينما رذاذ المطر يرطب الجو، ويبعث في الأنفس البهجة والسعادة، وذلك يمتزج مع رائحة البخور واللبان الذي تشتهر به المدينة، ويجد فيها أصحاب المتع والباحثون عن التفرد الفطري بيئات متعددة تنوعت بين الساحلية والجبلية والصحراوية، وتمتلك في فصل الصيف خصوصية مناخية نظرًا لوقعها في نصف العالم الجنوبي، حيث يقبل عليها الهاربون من قيظ الحر للتمتع بموسم خريف ذي طقس استثنائي، يرسل نسمات الهواء العليل والغيوم المعبقة بالرذاذ والتي يستمتع بها مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين والزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم ودول الخليج خاصة.
وأضفت هذه الأجواء الساحرة رونقًا خاصًّا على مهرجان صلالة الذي أضحى رقمًا صعبًا يجتذب عشاق الشرق وإطلالته المتميزة، بعادات وتقاليد عمانية راسخة تمزج الحاضر بالماضي، لتشعر هناك أن آلة الزمن قد توقفت بك في مكان لن تستطيع تحديد زمانه، ما جعل المهرجان أحد أكبر المهرجانات على خريطة السياحة العربية والعالمية، لما يتمتع به من سمات متميزة في فعالياته وبرامجه وشموله لكافة أنواع الفنون، ليظهر الوجه الحضاري والسياحي للمحافظة، ويعكس التراث العماني الأصيل الذي يفوح بعبق الموروثات الحضارية والفنية والتي تبرز السلطنة كواجهة سياحية فريدة في المنطقة والعالم.
لقد وفق المنظمون في اختيار (عمان المحبة والوئام) كشعار للمهرجان، ويحمل هذا الشعار ميزة سياحية كبرى في عالم يموج بالصراعات والعنف والإرهاب، فهذا الشعار هو دعوة للسياح تحمل رسالة الأمن والأمان والاستمتاع اللامتناهي في مجتمع يسوده الحب والألفة والوئام بين كافة مكوناته، ما يشجع الآلاف الأسر من داخل السلطنة وخارجها إلى القدوم لصلالة لمشاهدة مهرجان يتميز بتنوع النشاطات والفعاليات لتناسب الأذواق والمستويات العمرية كافة، وقد تمكنت خطط التطوير لهذا المهرجان من إنجاز الكثير في هذا.
ومبكرًا اكتملت الاستعدادات والتجهيزات الفنية والإدارية واللوجستية ليخرج كظاهرة حضارية تزخر بكل ما هو سياحي وترفيهي وثقافي وفني وأدبي يهدف إلى إبراز دور السلطنة في هذه المجالات على مدى شهر ونصف من انطلاق مهرجان صلالة السياحي بأكثر من 800 فعالية تجسد المزج بين الثقافة والفن، والرياضة والتسلية والمرح والبهجة لكافة أذواق الأسر، صغارًا وكبارًا، وتوزعت هذه الفعاليات في العديد من المواقع وأهمها مركز البلدية الترفيهي المقر الرئيسي للمهرجان والقرية الشاملة. ويعد مهرجان صلالة السياحي 2016م واحدًا من الإنجازات المهمة المتحققة التي تثير الفخر والاعتزاز؛ لذا فإن التحدي يتزايد مع كل دورة من دوراته.
إن مهرجان صلالة السياحي يعكس اهتمام السلطنة بالتضامن الدولي والتمازج الثقافي والحضاري بين كافة الشعوب والأمم من خلال المهرجانات والمعارض التي هي مرآة عاكسة لثقافات وفنون وتاريخ هذه الشعوب، ووسيلة وصل وتقارب وتفاهم بين مختلف الأمم بصرف النظر عن جنسها أو دينها أو لونها، وهذه الفنون تعتبر لغة عالمية تقرب بين الشعوب، وتجمع بين طموحاتها وأهدافها في الرخاء والاستقرار والتقدم، ويسعى المهرجان إلى المساهمة في إثراء الحركة الثقافية والفنية وتفعيلها بالصورة المثلى محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، وكذلك المساهمة في إبراز الموروث الحضاري والثقافي للسلطنة، ودعم المبدعين في كافة المجالات الثقافية.
كما حرص القائمون على المهرجان أن تكون السمة الحضارية التاريخية لهذا الوطن الغالي حاضرة على الدوام عبر قلادة مفرداته التراثية، حيث يهتم المهرجان بالتراث العماني الأصيل والموروث الشعبي بشكل عام عبر ما تشتمل عليه القرية التراثية من صور مختلفة للبيئات العمانية الحضرية والريفية والبدوية، وما تزخر به من شواهد ومكنونات تراثية جسدتها أيادي الإنسان العماني بشكل عام والمرأة العمانية بشكل خاص عبر زوايا مختلفة، تبرز منتجاتها وحرفها وعطاءاتها الفياضة، فضلًا عن مشهد أنماط الفنون والعادات والتقاليد العمانية التي تجسدها مشاركة الولايات العمانية من مختلف المحافظات في سباق وتنافس هدفه إبراز كل ما من شأنه إظهار هوية الخصوصية العمانية، وسيخصص المهرجان في دورته الحالية سوقًا للبان العماني بحيث يتم عرض عملية زراعة اللبان وطريقة استخراجه وأنواعه واستخداماته وتسويقه، وكذلك ارتباط اللبان بالحضارات القديمة.
ناهيك عن البعد الاقتصادي للمهرجان، حيث يتضمن المهرجان 30 جناحًا من مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ومشاركة أكثر من 300 شركة في خيمة التسوق لتعرض منتجاتها المتعددة، ما يفتح آفاقًا عديدة للمنتج العماني، كما سيتيح المهرجان أكثر من 15 ألف وظيفة للشباب الباحثين عن العمل، بالإضافة لما يمثله من قيمة مضافة لقطاع السياحة العماني، الذي تسعى السلطنة إلى أن يكون أحد الروافد المهمة في إطار سعيها نحو التنويع الاقتصادي المأمول.