لم تكن السلطنة استثناء من بين دول العالم في مجال مواءمة مخرجات مؤسسات التعليم مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل، وإنما تعاني كغيرها من الدول في هذا المجال وبخاصة من الدراسات ذات العلاقة، الأمر الذي أدى إلى تزايد أعداد الباحثين عن عمل في البلاد وتحول ذلك إلى عبء كبير على كاهل الحكومة، لكونها معنية بتوفير وتنظيم فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وقابل هذا التزايد زيادة طردية في الأيدي العاملة الوافدة بحجة عدم وجود قوى وطنية متخصصة تلبي متطلبات سوق العمل والمتاح من الفرص في العديد من التخصصات، وضعف جودة التعليم وافتقار مخرجاته للمهارات الأساسية التي يتطلبها سوق العمل، وكذلك لغياب الحل الجذري السليم. ودون شك أن هاتين الزيادتين المطردتين لهما تبعاتهما الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية.
لا أحد ينكر أن هناك تحديات لا تزال تمثل هاجسًا تتمثل في حاجة قطاعات في السلطنة إلى تخصصات بعينها، وتعاني ـ للأسف ـ من شح أو عدم توافر هذه التخصصات في سوق العمل، يقابل هذا الافتقار زيادة في أعداد الباحثين عن عمل وفي الأيدي العاملة الوافدة؛ ولذلك باتت الحاجة ماسة وملحة إلى معالجات جذرية وسليمة تخفف من وقع هذه الأعباء والتحديات، وبالتالي التخفيف من وقعها على الوضع الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي، مع أهمية التحرك نحو إعادة النظر في التطور الأفقي والرأسي في أعداد مؤسسات التعليم، وإعادة هيكلتها وغربلة تخصصاتها استجابة للحاجة الملحة بتلبية متطلبات سوق العمل، فالتخطيط السليم يستدعي الانتباه للعلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين التعليم والعمل ما يفرض بدوره وجود مقياس حقيقي ومتواصل لمؤشرات العرض والطلب في سوق العمل حتى لا يزيد العرض عن الطلب فيؤدي إلى تكدس في صفوف الباحثين عن عمل.
وتعد استمارة حصر بيانات الميول والمهارات الوظيفية للمواطنين والمواطنات الباحثين عن عمل وذلك من خلال الاستمارة الإلكترونية التي سوف تكون متاحة عبر الهواتف الذكية الخاصة بهم والتي دشنتها الهيئة العامة لسجل القوى العاملة أمس الأول، تعد بداية الخطوات نحو بلورة الحلول اللازمة للتغلب على المشكلتين الآنفتي الذكر (زيادة مخرجات التعليم وزيادة أعداد الأيدي العاملة الوافدة) وتحدياتهما، ونحو إيجاد فرص العيش الكريم، وتكسير الأعداد المتصاعدة لمخرجات التعليم، والحد من طلبات جلب أيدٍ عاملة وافدة.
ما من شك أن أهمية الاستمارة أيضًا تتمثل في إنشاء قاعدة بيانات واسعة تسمح بإدارة الموارد البشرية وتنظيم سوق العمل، والقضاء على مظاهر التبرم وعدم القابلية لدى كثير من الباحثين عن عمل بحجة عدم مناسبة المهنة لمجال تخصصهم ومهاراتهم وميولهم، ما سيؤدي إلى رفع الطاقة الإنتاجية والاستقرار الوظيفي، وكذلك رسم السياسات الصحيحة والسليمة الخاصة بالتشغيل. كما أن من شأن قاعدة البيانات الإلكترونية هذه أن تكون متاحة أمام الجهات المعنية بالتشغيل والتوظيف، وتعد إضافة جديدة لمشروع الربط الإلكتروني بين وحدات الجهاز الإداري للدولة (مدنية، عسكرية، أمنية) وهو (النظام الوطني الموحد للقوى العاملة) لتسخير هذه البيانات ورفدها لقطاعات التشغيل والاستفادة منها، كما ستكون وسيلة مثلى لمساعدة الباحثين عن عمل في اختيار المهن التي تناسب رغباتهم وميولهم واستعداداتهم وتخصصاتهم، لا سيما وأن هذه القاعدة ستخضع لعاملي التنشيط والتحديث كشرط ثابت لكل باحث عن عمل يرغب في الحصول على فرصة مناسبة.