إن من أبرز ملامح هذا العهد الزاهر في ظل القيادة الحكيمة والنيرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الاهتمام الكبير والواسع بالعلم والتراث والثقافة والفنون الآداب والتاريخ وبكل ما يمت إلى ذلك بصلة، ويتمثل هذا الاهتمام في جوانب كثيرة ومتعددة من الصروح والجوامع والمساجد والمدارس والجامعات والقلاع والحصون والصناعات الحرفية والمؤلفات والمهرجانات والمعارض والمناشط والندوات العلمية والثقافية والأدبية والشعرية والمتاحف وغيرها والتي تقف شاهدًا حيًّا على مدى الجهود الجبارة والعظيمة والمقدرة والاهتمام السامي لجلالة عاهل البلاد المفدى ـ أيده الله ـ بإحياء التراث والموروث الحضاري والدور التاريخي للحضارة العمانية، وإحياء سير العلماء والمفكرين والمؤرخين والمثقفين والأدباء والشعراء العمانيين الذين أثروا الساحة العلمية والفقهية والأدبية والشعرية والثقافية العربية والإسلامية والذين لا تزال مآثرهم وما سطروه وما توارثته الأجيال أبًا عن جد شاهدًا حيًّا على الإسهامات العمانية البارزة والاهتمام بها.
وبتدشين شعار نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2015م يوم أمس، يمكن القول إن السلطنة ستعيش أيامًا رائعة تمتزج فيها الثقافة بروائح الموروث الحضاري، أيامًا تعد من أروع الأيام التي تعبق بها أجواء السلطنة، حيث يعد اختيار مدينة نزوى مدينة العلم والتراث عاصمة للثقافة الإسلامية تقديرًا كبيرًا للدور العلمي والتاريخي الذي لعبته هذه المدينة في التاريخ الإسلامي والتاريخ العماني منذ بزوغ فجر الإسلام ودخول أهل عُمان إلى الإسلام طواعية، كما يعد هذا الاختيار تقديرًا لتلك القامات العلمية والثقافية والأدبية التي أضاءت الفضاء النزوي خاصة والعماني عامة بنور العلم، ما جعل مدينة نزوى مهوى أفئدة طلاب العلم والعلماء، حتى سميت المدينة بـ"بيضة الإسلام".
ولأن التراث مكون أساس من مكونات الثقافة لذلك فإن أمامنا فرصة فريدة لإبراز الموروث الثقافي العماني وتقديم الإبداعات العمانية على مر التاريخ إلى متلقي وعاشقي الثقافات وتنوعها عبر العالم، هذا الثراء التاريخي الذي تحفل به الساحة العمانية يجعلها قبلة للراغبين في متابعة مراحل التطور الحضاري للمدن والبلدان.
ولذلك وإحياءً لهذه المناسبة الرائعة فإن اللجان المنظمة أعدت برنامجًا متكاملًا يليق ومكانة نزوى التاريخية، حيث سيقام مهرجان الشعر العماني في دورته المقبلة في أواخر ديسمبر من العام الجاري 2014م، بحيث يتقارب مع بداية عام 2015م، وسيقام المهرجان تحت شعار "نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية"، ويعد استهلالًا لبدء الفعاليات رسميًّا، كما سيقام المهرجان هذا العام بغير نظام المسابقة المعتاد، مع رفع نسبة المكافآت لأربعين شاعرًا في الفصيح والشعبي بواقع 20 شاعرًا لكل مجال. كما سيصادف إقامة مهرجان المسرح ذلك العام وبالتالي سيقام المهرجان في نزوى في أواخر العام 2015م، إضافة إلى إقامة الملتقى الأدبي، إلى جانب أنه سيتم إقامة جناح خاص بنزوى عاصمة الثقافة الإسلامية في معرض مسقط الدولي للكتاب العام المقبل، وسيتم تخصيص ركن للمنجزات البحثية والمشاريع التي تم طرحها للباحثين احتفاءً بالمناسبة، في حين يجري العمل على إضافة ندوة عن العمارة الإسلامية بعنوان "حماية وتوثيق واستدامة التراث العمراني" تضاف إلى البرامج الفعلية التي تم اعتمادها. وتكريمًا لمدينة نزوى ولمكانتها، جارٍ العمل في تشييد مركز نزوى الثقافي الذي يعد وجوده أحد نتاجات وإنجازات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية، والذي سيبقى معلمًا حضاريًّا وتاريخيًّا وثقافيًّا.
واليوم هو حاضرنا مثلما أصبح حاضر أولئك الأسلاف ماضيًا تليدًا، فلتكن مناسبة اختيار نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية فرصة لنا لنضيف إلى السابقين علينا، ولنستلفت انتباه الحاضر كما استلفت الأسلاف انتباه حواضرهم بعبقرياتهم الفردية والجماعية ومهرجاناتهم التي عاشت في ذاكرة العالم جيلًا بعد جيل.