[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
انتقال الفعالية الإعلامية بعد احتلال العراق من مرحلة الإعلام المُحتكَر من قبل السلطة المركزية متمثلًا بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على صعيدي الكم والنوع، وجدت وسائل الإعلام العراقية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يعشه العراق منذ تأسيسه...

عندما نتحدث عن الإعلام العراقي بعد غزو العراق واحتلاله نتوقف عند مهماته ودوره وسماته، طبقا للفضاء الإعلامي الذي تمتع به بعد زوال ما يطلقون عنه خروجه من السيطرة الحكومية، غير أن الراجح بعد السنوات الماضية يشير إلى أن الإعلام الجديد لم يستثمر هذا الفضاء، وإنما راح يهرول وراء المال السياسي الذي كرسته الأحزاب والقوى السياسية لخدمتها والتعبير عن أهدافها.
وطبقا لهذا التوصيف فإن أبرز خصائص العصر الإعلامي الجديد دور الجماهير التي أصبحت هي نفسها من تصنع الخطاب لتكون مُرسلا وليس مُستقبِلا كما صنفته النظريات الإعلامية، ليس لأن المواطن الصحفي صار شريكا فعليا في صناعة المحتوى، بل لأن الجماهير شكلت في مجملها كتلة دينية سياسية هائجة ومؤثرة، الأمر الذي صنعت معه إعلامها، وهو أعلام لا يؤسس وفقًا لمفاهيم المهنية والموضوعية.
وصارت الفوضى، وخطاب الحقد والكراهية التي تستهدف النفوس والسلم الاجتماعي مصدرا غنيا لمحتوى إعلامي يقدم خطابه كحل مقدس، بطريقة أن إعلام اليوم الديني ـ السياسي ليس مصدرا خبريا يقدم المعلومة، بل هو تجسيد لفعل شعبوي غوغائي قائم على استلهام بعض جروح التاريخ ورموزه.
كما أن انتقال الفعالية الإعلامية بعد احتلال العراق من مرحلة الإعلام المُحتكَر من قبل السلطة المركزية متمثلًا بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على صعيدي الكم والنوع، وجدت وسائل الإعلام العراقية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يعشه العراق منذ تأسيسه، لا سيما التمويل الخارجي لمشاريع إعلامية، صحف، قنوات فضائية، إذاعات، مراكز بحوث، إعلانات مدفوعة الثمن، ورشا مباشرة.
واللافت في هذا المجال هو التركيز على طائفية الأمكنة التي كانت مسرحا للتفجيرات والأعمال العسكرية في إطار السعي لتكريس الطائفية في المجتمع العراقي، فضلا عن وصف المقاومة العراقية ضد الاحتلال بأنه إرهاب، في محاولة لتبرير احتلالها وتحصين جنودها من المساءلة القانونية جراء الجرائم التي اقترفت بحق العراقيين.
لقد أفرزت الأوضاع الجديدة بعد الاحتلال عددًا من الظواهر تجسدت في البداية بحالة من الفوضى والانفلات الإعلامي عددًا هائلًا من الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى صفحات المشهد الإعلامي العراقي الجديد ـ لسهولة إنتاجها وتوزيعها.
ثُمَّ بدأ الصراع الإعلامي في التضييق، وحملات تكميم الأفواه، واستهداف الصحفيين بالاغتيالات والخطف، الأمر الذي انعكس سلبًا على حرية الرأي والتعبير وعلى انسيابية حركة الإعلام والصحافة وبما جعل من حرية الصحافة في العراق تمضي صوب منحدر خطير.
إن التوجه الطائفي والعرقي والديني لأغلب وسائل الإعلام العراقية تحول إلى ظاهرة خطيرة في المجتمع، إذ أصبح لكل طائفة وهوية عرقية، صحيفة، وإذاعة، وتلفزيون، وموقع إنترنت وغيرها من وسائل، الأمر الذي حول الإعلام العراقي إلى منابر دعائية تخدم مخططات خارجية دون اهتمام في التصدي للتحديات والمخاطر الخارجية والداخلية الحقيقية التي تواجه العراق، لا سيما ما يتعلق بإخفاق الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق والتنبيه إلى مخاطر الأطماع الخارجية التي تستهدف وحدة العراق أرضا وشعبا.
وهذه التحديات التي يواجهها العراق كان يفترض أن تكون في صدارة مهام وسائل الإعلام العراقية، غير أنها اتخذت منحى آخر في انخراطها في الاستقطاب الطائفي والعرقي الذي أفقدها تأثيرها في التعبئة والتأثير في المجتمع.