[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]

طالما بقي الأميركيون قادة وشعب ينظرون إلى جوانتانامو على أنها عبارة عن الثلاثي التقليدي (سجن ومسجون وسجّان)، فإنهم لن يخرجوا من معطفهم التقليدي الذي أوصلهم لهذا الوضع، لأن جوانتانامو قضية كبيرة وخطيرة، وتمتد إلى قارات وتضرب بأعماق تقاليد وعادات ومعتقدات، في حين ينظر إليها زعماء البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية وزعامات البيت الأبيض من زاوية أخرى، فهي في نظرهم حفنة من «المجرمين الإرهابيين» يقبعون خلف القضبان ولا يختلف هؤلاء عن المجرمين السائبين المنفلتين من المدمنين واللصوص والمزورين والعصابات الأميركية الأخرى، الذين يقضون مدة محكومياتهم خلف القضبان ويحرسهم طاقم السجن في هذه الولاية أو تلك.
على مدى ما يقرب من عقد ونصف العقد من الزمن وقضية «جوانتانامو» تتأرجح في العقلية الأميركية بين صورة المجرمين وحالة الإرهابيين، ويبدو أن الأميركيين غير قادرين على دراسة الحالات التي تتحول إلى ظواهر، ولم يفرقوا بين هذا وذاك، في حين الأجدر بهم إجراء مراجعات حقيقة ومعمقة عن ارتدادات ما حصل لمعتقلي جوانتانامو من تعذيب وحشي وإهانات واحتقار كبيرين على مدى السنوات، والبحث في هوية هؤلاء ومعتقدهم وسبب وصولهم إلى ما وصلوا إليه حتى أصبحوا أعداء للولايات المتحدة بصورة خاصة والغرب بصورة عامة، هؤلاء لم يكونوا في يوم ما قطاع طرق ولا لصوص ولا مزورين، وغالبية هؤلاء تركوا النعيم في حياتهم اليومية وحملوا السلاح أو الفكر وربما الاثنين سوية لمقارعة أميركا ومن يقف معها، وهذا يعني أنهم لم يبحثوا عن مغانم الدنيا وملذاتها، وهذا الأمر لحاله يحتاج دراسات معمقة وبحث واستقصاء من مراكز البحوث الأميركية والغربية، قبل إصدار أحكام خاطئة وجاهزة ضد هؤلاء، ما يجعل القضية الرئيسية في هذا الموضوع بعيدة كل البعد عن الجوهر، وفي هذه الحالة تنعدم الرؤيا وتضيع الحقائق ويزداد التخبط.


يثير موضوع عدد من المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من جوانتانامو جدلا في الإدارة الأميركية بعد اكتشاف التحاقهم بالمقاتلين الذين يقاتلون الأميركيين والغربيين، سواء كان في أفغانستان أو العراق وأماكن أخرى، وبدلا من دراسة دوافع هؤلاء وحماستهم للقتال يذهب كبار المسؤولين الأميركيين لانتقاد إدارة أوباما بسبب الإفراج عن هؤلاء، في حين تقول المعلومات إن الكثيرين من معتقلي جوانتانامو لم يكونوا ضمن المجاميع القتالية في أفغانستان، لكن وبسبب ما تعرضوا له من تعذيب وحشي من قبل السجّانين الأميركيين داخل الزنازين والمحاجر قد دفعهم للتعمق في مسألة الانخراط في القتال، وإذا كان هؤلاء بالعشرات أو المئات في جوانتانامو فإن أعدادهم بعشرات الآلاف في العراق، فقد دخل المعتقلات الأميركية مئات الآلاف من العراقيين الذين لم يدر في خلد الكثيرين منهم حمل السلاح، لكن الظلم وبشاعة التعذيب وسوء التعامل والإهانات تكفل كل ذلك بتهيئة هؤلاء للقتال، ويخوض هؤلاء معارك شرسة في العراق وسوريا والبعض وصل إلى ليبيا وربما في مناطق أخرى.
والسؤال المطروح، متى يفهم الأميركيون الحقائق؟ وهل يتعلمون من جرائمهم وبشاعاتهم لحماية مواطنيهم ومصالحهم؟
جميع المؤشرات تقول لن يتعلموا.