في الشهر الماضي، وفيما كانت أنظار العالم مركزة على الأزمة في شبه جزيرة القرم والبحث عن طائرة الخطوط الماليزية المفقودة، مرت بهدوء في فيينا أحدث جولة من المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا). وبرغم أن المناقشات استؤنفت هذا الأسبوع فإن نتيجة المحادثات تظل غير مؤكدة ـ ولا يملك زعماء العام ترف الإلهاء.
ويصدق هذا بشكل خاص بالنسبة لأوروبا، التي كان نهجها الموحد في التعامل مع إيران عظيم القيمة حتى وقتنا هذا. والواقع أن الصعوبات الشديدة التي فرضتها العقوبات الأوروبية هي التي دفعت إيران في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات، وقوة الدبلوماسية الأوروبية الموحدة هي التي سهلت وضع "خطة العمل المشتركة" التي حددت شروط التوصل إلى اتفاق شامل طويل الأجل في غضون ستة أشهر.
ولكن حتى الآن، وبعد أن بلغت الخطة منتصف الطريق، كان ما تحقق من تقدم ملموس ضئيلا، مع عجز مفاوضات الشهر الماضي عن إنتاج أي تقدم في ما يتصل بقضيتين أساسيتين: المستوى المقبول لتخصيب اليورانيوم في إيران ومستقبل مفاعل الماء الثقيل في آراك. والواقع أن التناقض الحاد بين هذا الافتقار إلى الإنجاز وإعلان إيران مؤخرًا عن التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول شهر يوليو/تموز يثير تساؤلات مهمة حول استراتيجية إيران وأهدافها ــ وهي التساؤلات التي ينبغي للمفاوضين أن ينظروا فيها بكل عناية في تحديد أفضل نهج ممكن.
إن فهم خلفية هذه العملية هو المفتاح إلى النجاح. فإيران أرض التناقضات. في زيارة أخيرة نظمها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كان التعايش بين التقاليد الراسخة والتحول السريع واضحًا بشكل صارخ.
وتجسد منطقة وسط مدينة طهران ـ التي تعج بالشباب والنساء اللاتي يرتدين الكعب العالي وأغطية الرأس الرمزية والمعاطف المفتوحة فوق السراويل ـ التعطش إلى التقدم. إن أكثر من 60% من الإيرانيين ولِدوا بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، وأكثر من 40% منهم ولِدوا بعد الحرب بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن العشرين. والثورة في نظرهم جزء من التاريخ وليست المصدر الرئيسي لقيمهم الشخصية.
ومن الواضح هناك أيضًا الخسارة التي فرضتها سنوات من العقوبات الاقتصادية القاسية. فعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها المسؤولون الإيرانيون للتهوين من شأن التأثير الذي تخلفه العقوبات، من الصعب أن يبرروا معدل تضخم يتجاوز 30% ونمو متوقع للناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 1% هذا العام.
والواقع أن هذه التركيبة من السكان الشباب والاقتصاد المتداعي مزيج قابل للاشتعال في أي وقت، ويشكل تهديدًا خطيرًا لقدرة النظام على البقاء ــ والنظام يدرك هذه الحقيقة. وفي هذا المشهد، تُصبِح ضرورة التوصل إلى اتفاق يعزز الازدهار مع المجتمع الدولي أعظم من أي وقت مضى بالنسبة لزعماء إيران.
وعلاوة على ذلك فإن أسلوب إيران التفاوضي، مثله كمثل عاصمتها، من الممكن أن يكون مجهدًا ومربكا. فبعد لحظات فقط من التوضيح المفصل لتحريم القرآن للأسلحة النووية، قد يعلن أحد المحاورين أن حصانة منشأة فوردو النووية تحت الأرض ضد الضربات الجوية لا بد أن تكون شرطًا محوريًا لأي اتفاق.
الواقع أن إيران لا تعتزم التخلي عن قدرتها على تحقيق الاختراق النووي. والمفاوضات لا تهدف إلى استئصال هذه القدرة، بل إطالة أمد التنفيذ ـ أو على وجه التحديد، الحد من مستويات تخصيب اليورانيوم بحث لا تتجاوز 3.5%، وإنشاء نظام تفتيش قوي، والتوصل إلى اتفاق بشأن منشأة آراك النووية. ولكن حتى هذا قد لا يحدث. فحتى وقتنا هذا، لم يبرهن المسؤولون الإيرانيون على التزامهم بقبول ضوابط صارمة وقابلة للتحقق.
وعلاوة على ذلك، تمكنت إيران من الفصل بين المفاوضات النووية والقضايا الأوسع نطاقًا المتصلة بها مثل برنامج الصواريخ الباليستية، ودعمها لجماعات مثل حزب الله، وسجلها المحلي في ما يتصل بحقوق الإنسان. ومع كراهية الولايات المتحدة لإدخال أي معوقات على هذا الخليط، فلا يوجد أي احتمال لطرح مثل هذه القضايا للمناقشة. وفي هذا السياق، فإن اجتماع كاثرين أشتون الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي مع المعارضين خلال رحلتها الأخيرة إلى طهران كانت مجرد لفتة رمزية.
وهذا من شأنه أن يتيح لإيران الفسحة التي تحتاج إليها من الوقت للمراهنة استراتيجيًا على توليد الصراع السوري قدرًا أعظم من الاحتكاك بين الغرب وخصم إيران الإقليمي اللدود المملكة العربية السعودية. وبالنسبة لإيران، الداعمة القوية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، يشكل تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية المفتاح إلى تحويل ميزان القوى الإقليمي ــ وخاصة إذا كان ذلك مصحوبًا بتخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية.
وإلى حد ما، يتعزز هذا الأمل بفعل نظرة إيران إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتباره شريكًا متحمسًا في المحادثات النووية. وعلى أية حال فإن التوصل إلى اتفاق طويل الأجل سوف يكون إنجاز السياسة الخارجية الوحيد بالنسبة لأوباما وداعمًا قويًّا لجهوده الرامية إلى فك ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.
ولكن إيران تدرك أيضًا أن الوقت يمضي. فرئاسة أوباما تقترب من نهايتها، والجمهوريون يستعدون لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني، والديمقراطيون متحفظون على نحو متزايد إزاء اعتبارهم "ناعمين في التعامل مع إيران". ونتيجة لهذا، يبدو أن الكونجرس الأميركي أصبح متزايد العدائية تجاه الصفقة؛ وكلما استغرق إبرام الاتفاق النهائي وقتًا أطول كلما زادت احتمالات عرقلة الكونجرس له.
وفي هذا السياق، ينبغي لأوروبا أن تلعب دورًا أساسيا. فبرغم أن ما اشتهرت به سياسة أوروبا الخارجية من "ليونة" تستمر في تشكيل تصورات الإيرانيين، فإن دور الاتحاد الأوروبي في إرغام إيران على التفاوض هو الداعم الرئيسي للمحادثات الحالية. وعلى نحو مماثل، كان إصرار فرنسا على فرض ضوابط أكثر صرامة هو الذي منع التوصل إلى اتفاق في جنيف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
قبل عشر سنوات، خيبت أوروبا رجاء إيران بانسحابها من المفاوضات تحت ضغط من الولايات المتحدة ـ وهو التحرك الذي رأى البعض أنه ساعد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في الوصول إلى السلطة. واليوم، سوف تكون أوروبا بالغة الأهمية في دفع العملية إلى الأمام، وخاصة إذا رفض الكونجرس الأميركي أي اتفاق معقول.
الواقع أن النهج الموحد الذي استعانت به أوروبا في التعامل مع إيران مكنها من فرض تأثير أعظم من ذلك الذي ربما خلفته على أي قضية تتصل بالسياسة الخارجية. وينبغي لنا أن ننظر إلى هذا باعتبارها نموذجًا للمستقبل ودرسًا للحاضر. ومن خلال الحفاظ على وحدة الهدف والحفاظ على الضغط وزخم التفاوض الذي يتولد عنه، تبرهن أوروبا لإيران والولايات المتحدة ونفسها أنها تملك كل ما يلزم لكي تصبح لاعبًا عالميًّا أساسيًّا.

آنا بالاسيو وزيرة خارجية أسبانيا السابقة، وكبيرة نواب رئيس البنك الدولي سابقا، وعضو مجلس الدولة الأسباني ومحاضرة زائرة في جامعة جورج تاون حالي