[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
إزاء ما يعانيه هذا الشارع الذي كان يضاهي شوارع عالمية في حداثته وجماله في زمانه, هل طوى الزمن شارع الرشيد، كما طوى معالم أخرى في بغداد، أم أنه سيبقى عالقا بذاكرة العراقيين كشاهد على زمن جميل ما زالوا يتغنون به افتقدوه وحاضر ينغص حياتهم؟

شارع ليس ككل الشوارع، إنه رمز ارتبط بتاريخ مدينة ملأت الدنيا، وشغلت الناس، إنها بغداد عاصمة الرشيد الذي سمي أشهر وأقدم شارع فيها باسمه.
فارتبط اسم شارع الرشيد بالعاصمة بغداد، وغدا عنوانا وتوأما لها، في مشهد يوثق تاريخ مدينة وشارع كانا شاهدين على أحداث العراق منذ مئة عام 1921 ولحد الآن.
وعندما نتحدث عن شارع الرشيد لمناسبة مرور قرن على افتتاحه فإننا نتوقف عند مكانته السياسية والتاريخية والثقافية والتجارية والاجتماعية في حياة البغداديين، والذي كان فضاء حيويا لها وشاهدا على حداثة الحياة وازدهارها في أزمان ما زالت عالقة في ذاكرة جيل شهد حلوها ومرها.
ومثل أي عراقي معمر فإن شارع الرشيد الذي يحتفل البغداديون بمناسبة مرور 100 عام على افتتاحه، عاش طفولته وشبابه، وكان محط الأنظار ومركز الإشعاع، لكنه في النصف الثاني من عمره بانت عليه الشيخوخة فنافسه آخرون من حيث الأهمية في بغداد التي اتسعت عشرات المرات عما كانت عليه في يوم مولده في تموز –يوليو 1916.
وإذا كان العراقيون قد عانوا في النصف الثاني من القرن الماضي من الحروب والحصار الجائر وتداعياته على حياتهم بشكل عام، فإن شارع الرشيد بدأ أيامه الأولى بالمعارك بين العثمانيين وبين الإنجليز الذين استولوا على بغداد وشارعها بعد 8 أشهر، فدخلها 40 ألف جندي في آذار ـ مارس 1917 ليعلن الجنرال البريطاني مود كلمته الشهيرة في بيانه لأهل بغداد يوم الـ19 من آذار «جئنا محررين لا فاتحين» تماما كما فعل الرئيس الأميركي جورج بوش يوم أعلن الغزو في الـ19 من آذار 2003 لما أسماه تحرير العراق.
هل هي مصادفة أن يوم الـ19 من آذار الذي غزا فيه البريطانيون العراق عام 1916 هو التاريخ نفسه الذي بدأ الأميركان غزو العراق واحتلاله،
وعند افتتاحه في الأيام الأخيرة للحكم العثماني عرف باسم شارع (خليل باشا جاده سي) على اسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني في تلك الفترة؟
وبدأ العمل في شق شارع الرشيد عام 1910 واكتمل بعد 6 سنوات من العمل المتواصل، وهو يبدأ من ساحة الميدان القريبة من وزارة الدفاع، ويخترق بغداد لينتهي قبل الدخول إلى ساحة التحرير وشارع أبي نؤاس.
وبسبب الإهمال من المسؤولين في أمانة بغداد وعزوف رواده، تحول شارع الرشيد إلى مكان لصناعات بدائية ومكب للنفايات غيَّرت وجهه، ونزعت عنه مسحته الحضارية والثقافية كمعلم من معالم بغداد، بعد أن كان يعج بعشرات المطاعم والمقاهي ودور السينما والمسرح والمتاجر التي تعرض أحدث العلامات التجارية العالمية.
وإزاء ما يعانيه هذا الشارع الذي كان يضاهي شوارع عالمية في حداثته وجماله في زمانه, هل طوى الزمن شارع الرشيد، كما طوى معالم أخرى في بغداد، أم أنه سيبقى عالقا بذاكرة العراقيين كشاهد على زمن جميل ما زالوا يتغنون به افتقدوه وحاضر ينغص حياتهم؟
ونختم: إن شارع الرشيد بعد ما أصابه من إهمال أصبح غريبا في بغداد، بعد أن كان عنوانا ومقصدا لزائري العاصمة العراقية.