إن الأرقام والإحصائيات تؤكد مدى التطور الذي شهده قطاع التعليم على مدار الـ46 عامًا الماضية من عمر النهضة المباركة، حيث أولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ بواكير عصر النهضة المباركة عناية فائقة بقطاع التعليم، وأطلق جلالته ـ أبقاه الله ـ دعوته السامية بالاهتمام بالعلم ولو تحت ظل شجرة، كون النهضة المباركة استهدفت بناء الإنسان في المقام الأول، لذا وضعته حكومة جلالته في الصدارة، حيث بلغت ميزانية التعليم في العام الجاري 2016م (3) مليارات ريال عماني بنسبة (3ر21) بالمئة من إجمالي الإنفاق العام، من أهم القطاعات التي يجب على كل الشعوب أن تضعه في سلم أولوياتها، فإذا صلح التعليم صلحت كل قطاعات المجتمع، فبالعلم ترقى الشعوب وتسمو الأمم، وبه تشاد وتعمر الأوطان ويقاس تقدمها.
وقد اعتمدت السلطنة في تطوير مسيرتها التعليمية على العديد من المراحل، حيث ركزت في بدايات عصر النهضة المباركة على نشر التعليم في ربوع السلطنة كافة، ومن ثم اتجهت نحو تجويد التعليم لبناء مواطن عُماني قادر على خدمة وطنه ومجتمعه، والتفاعل مع العالم الخارجي، وذلك وفق ما أكدته توصيات مؤتمر الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني (2020)، لتتجه مؤخرًا خصوصًا في الخطتين الخمسيتين الثامنة والتاسعة، نحو التقييم الشامل لمنظومة التعليم بكافة مكوناتها، حيث بدأت في تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع التطويرية التي تهدف إلى زيادة كفاءة التعليم، وتطوير بيئة التعلم بما يتلاءم واحتياجات سوق العمل، وتطوير نظام القياس والتقويم ومناهج التعليم بما ينسجم مع متطلبات التنمية، وتوفير البيئة المناسبة لإجراء البحوث والدراسات عن طريق توفير الموارد والحوافز اللازمة.
ولعل من حسن إدارة الناحية التعليمية يأتي وجود أعلى معدل للمعلمين في السلطنة، كما يوجد حوالي 17 وظيفة مساندة لتقليل العبء عن المعلم، وذلك يأتي في سياق يؤكد أن القائمين على التعليم يعرفون أن المعلم هو جوهر العملية التعليمية، وأن هناك بلدانًا كبيرة يسعى أصحاب المهن إلى مجرد المساواة مع المعلمين في الميزات، فتوفير أجواء مواتية للمعلمين ستسهم في تحسين المخرجات التعليمية؛ لذا فإن تفعيل المدرسة بشكل إيجابي عبر تفجير طاقات المعلم والطالب والمجتمع المحلي، وتسخير كافة الجوانب اللوجستية والنواحي الإدارية والفنية من أجل الارتقاء بالواقع التعليمي، والنهوض به أصبح ضرورة تسعى لها المجتمعات الهادفة لاستدامة النمو. وحسنًا فعلت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة التعليم العالي في تنفيذ برنامج وطني لتوطين المعلمين في القرى البعيدة التي تعاني من نقص في عدد الكوادر التربوية العمانية، والذي يأتي (البرنامج) في إطار السعي إلى تأهيل أبناء القرى البعيدة في مختلف أرجاء السلطنة لدراسة التخصصات التربوية بهدف توطين الوظائف التدريسية في تلك القرى، وإيجاد كوادر تدريسية من أبنائها تسد العجز في أعداد المعلمين بها، وهو ما سيضيف جوًّا من الراحة، ويوفر جهد ووقت المعلم، بدلًا من استهلاك طاقته في التنقل بين الولايات المتباعدة مما يؤثر على عطائه في الفصل الدراسي.
إن المتغيرات تفرض أهمية إشراك المعلم في الدورات التدريبية وحلقات العمل ذات العلاقة بالعملية التعليمية لاكتساب المزيد من المهارات التربوية والإدارية والفنية بما يمكنه من التعامل بشكل أكثر فاعلية وحيوية مع الطلبة، وصولًا إلى خلق بيئة مدرسية محببة للطالب، وتوفير مناخ تربوي ملائم. ولن يتأتى ذلك بغير توفير الوقت والجهد للمعلم؛ لأن وظيفته تخطت تلقين مجموعة من المعارف والمهارات الأساسية إلى تدريب الطلبة على مهارات التفكير العليا، والفهم العميق للمحتوى المعرفي للمقررات الدراسية، وربط ما يتعلمه الطالب بحياته اليومية خارج نطاق المدرسة، وإشراك الطالب في بناء معرفته، وذلك عن طريق تعزيز روح الحوار والنقاش لديه، وزيادة ثقة الطالب بقدرته على الإنجاز والإبداع.