[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالعلاقات بين إيران وجيرانها العرب، وهو الأمر الذي يهمنا نحن مهما كانت مواقعنا الجغرافية أو الأيديولوجية من طهران علينا ألا نتوقع الكثير من التطمينات التي قدمتها واشنطن للعرب مع تأكيد بيان حلف الناتو في فرسوفيا على عقيدة الحلف التي اعتبرت أن إيران ستبقى بالرغم من الاتفاق دولة معادية..

عندما نعلم أن إيران تلقت دفعة أولى من صواريخ (أس300) من موسكو الأسبوع الماضي في صفقة أسلحة روسية متطورة بعد عام من توقيع المعاهدة حول النووي الإيراني بين الدول الغربية زائد الصين الشعبية وروسيا (وهو ما يجعل عبارة 4 زائد 2 أدق وأصح من 5 زائد1!) وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية، وعلى إثر الانقلاب الفاشل ضد الحكومة التركية واتباع منهج المواجهة لدى حلف الناتو، علينا بعد عام تقييم النتائج وقراءة العبر؛ لأننا نحن العرب ومعنا العالم الإسلامي بأسره منخرطون شئنا أم أبينا في لعبة الأمم الكبرى، ومعنيون بما وصلنا إليه بعد سنة من تلك المعاهدة. ونذكر أنه يوم الـ14 من يوليو 2015 تم التوقيع على اتفاق متكامل متعدد البنود يقع في مئة صفحة نعته أغلب المراقبين والإعلاميين بأنه اتفاق تاريخي اعتمده مجلس الأمن بعد أسبوع من توقيعه بشكله النهائي، فأعطاه الصبغة القانونية الدولية، واستمعنا إلى توضيحات هامة قدمها السيد جون كيري أمام لجنة الكونجرس بقصد اجتناب تحرك الكتلة الجمهورية ضد الاتفاق وربما إبطال كل ما جرى والعودة إلى مربع الانطلاق ومما قاله الوزير الأميركي أن إيران كانت على وشك امتلاك السلاح النووي في غفلة من المجتمع الدولي لولا هذا الاتفاق وقال أيضا إنه لا بديل عن الاتفاق سوى الحرب، وهذه المعاني كررها الرئيس أوباما منذ أيام أمام الكونجرس، مؤكدا أن أبرز ما ينص عليه الاتفاق هو فرض الرقابة الدولية على المنشآت النووية الإيرانية بشكل دوري وناجع وفجائي، وطمأنة دول الشرق الأوسط بأن هذه المنطقة الحساسة ستظل خالية من السلاح النووي (ما عدا السلاح النووي الإسرائيلي غير المعلن والمسكوت عنه في نوع من التواطؤ الدولي الذي يشبه النفاق مما يجعل تخوف نتنياهو من سلاح نووي إيراني أمرا في غاية الغرابة!) بعد عام نسجل أن طهران رفعت عنها تدريجيا تلك العقوبات الموجعة، ولكن لم تلتزم. كما وعدت بتأكيد ثقة العالم فيها بسن سياسات أكثر اعتدالا ستكون سياسات لا تنطلق من ردود فعل متسرعة ولا عشوائية ولا عدوانية. كما كان الحال في ولاية أحمدي نجاد الرئاسية. وصدقنا أن هذا الاتفاق الذي كنا نعتقد أنه مؤسس على صدق النوايا سوف يطوي صفحة قديمة من العلاقات الدولية عموما ومن العلاقات بين إيران وجيرانها العرب لتحل محلها صفحة أنصع وأسلم، توفر للمنطقة بأسرها مناخا جديدا من الأمن والسلام الدائمين، ولم لا من التعاون الاقتصادي والتنسيق الأمني والتكامل الطاقي، وتكون المرحلة القادمة على الأقل مرحلة استعادة الثقة المفقودة تمهيدا لشرق أوسط جديد لا بمعنى المحافظين الجدد، ولكن بالمعنى الحقيقي الناتج عن إعادة النظر جذريا كل من موقعه في منظومة الصراع الطائفي، وتغذية الإرهاب وتصدير الثورات، وسن تكتيك الخداع واستعمال الأيدي القذرة هنا وهناك لتمرير مشاريع مشبوهة. لكن الواقع الذي اكتشفناه غير ذلك، والدليل أن مؤتمر حلف الناتو المنعقد في فرسوفيا يوم الـ9 من يوليو الجاري حدد بوضوح أن الخطر الإيراني ما زال يستهدف شعوب المنطقة ومصالح الغرب. ويجدر بنا أن نسوق بعض الملاحظات التي نستنتجها من هذا الحدث الهام: أولها أن العلاقات الدولية بأسرها شهدت إعادة رسم خريطة عالمية جديدة، وذلك من خلال اندراج الصين وروسيا في عملية التفاوض وصياغة الاتفاق جنبا إلى جنب مع الدول الغربية الليبرالية الأربع الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وهو مؤشر شديد الأهمية يؤكد أن عصر الحرب الباردة بعد أن أعلن موته مع تحطيم جدار برلين في نوفمبر 1989 قد تم دفنه في جنازة مهيبة يوم الـ14 من يوليو 2015 في فيينا عاصمة النمسا. فالغرب المنتصر بالديمقراطية والليبرالية حسب نظرية المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما فتح الباب لغريمين تقليديين روسيا والصين لكي تشاركا في كل تفاصيل الملف النووي الإيراني، وهو ما أعطى في الحقيقة بعض الضمانات السياسية والاستراتيجية للمفاوض الإيراني؛ لأن محمد جواد ظريف عبر كل الأشواط الماراثونية للمفاوضات وجد نفسه إزاء أربع قوى غربية، ولكن أيضا إزاء قوتين عظميين حليفتين أو على أقل تقدير ليستا عدوتين لم تقبلا في السابق شروط واشنطن وحلفائها الأوروبيين في الملف النووي الإيراني إلى أن دخلت موسكو وبعدها بكين على الخط منذ سنتين عندما شعر الغربيون أن لا حل يرجى من مفاوضات طويلة بدون إشراك كل القوى العظمى التي تملك حق النقض في الأمم المتحدة، وبإمكانها تعطيل أي مسعى أميركي وغربي خاصة ومعضلة أوكرانيا لا تزال قائمة ومنذرة بالأخطار.

وفي الواقع إذا كان هذا التواجد الروسي ـ الصيني مفيدا جدا لطهران فهو بلا شك أكثر فائدة لواشنطن وبرلين وباريس ولندن؛ لأن الاتفاق سيكون قابلا للتنفيذ بضمان غربي وروسي وصيني، ويؤمن ذلك اعتماده من قبل مجلس الأمن، وهو بالفعل ما حصل. كما أن روسيا والصين فرضتا حماية مصالحهما في إدارة المفاوضات؛ لأن الخطر النووي أكان إيرانيا أم كوريا شماليا أم باكستانيا يهم كل شعوب العالم وأساسا العملاقين الروسي والصيني. فنحن اليوم على أعتاب انفراج عالمي إذا ما قرأنا الحدث بعيون المؤرخ، ولكن التاريخ علمنا أن لكل دبلوماسية مواقف معلنة ونوايا خفية، ونحن لا نرجم بالغيب بل سنتابع تطبيق بنود الاتفاق بتفاؤل. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالعلاقات بين إيران وجيرانها العرب، وهو الأمر الذي يهمنا نحن مهما كانت مواقعنا الجغرافية أو الأيديولوجية من طهران علينا ألا نتوقع الكثير من التطمينات التي قدمتها واشنطن للعرب مع تأكيد بيان حلف الناتو في فرسوفيا على عقيدة الحلف التي اعتبرت أن إيران ستبقى بالرغم من الاتفاق دولة معادية، مضيفا أن السبب هو معاداتها لإسرائيل وللولايات المتحدة وللسامية ومشاركتها في تغذية الفوضى لدى جيرانها، ولكن المسكوت عنه هو رغبة الناتو في أن تهدأ الأوضاع في المنطقة بعد فشل الانقلاب في تركيا مما يدعو الغرب لإعادة فرز الأوراق وتقييم التحالفات القادمة.