[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”.. إن ما زاد الطين بلة , وجعل من إسرائيل تتمسك بإرادة من فولاذ للسعي نحو تحقيق أهدافها الاستيطانية والتوسعية دون مبالاة بمختلف القوانين والقرارات والمعاهدات الدولية في هذا الخصوص, وتتعنت في قراراتها وسياساتها تجاه الأرض والشعب الفلسطيني , وتتعامل في سياساتها مع العرب بطريقة التحقير والتقزيم , هي سياسات الاستنجاد العربي بالغرب بوجه عام, وبالولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص,”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقود طويلة من الزمن ومختلف الحكومات المتعاقبة على المستعمرة الإسرائيلية الكبرى, تبعث للأنظمة السياسية والشعوب العربية بالعديد من الرسائل والإشارات السياسية الواضحة, منها ما كان بشكل مباشر وصريح, كما هو واضح من خلال مئات المجازر التاريخية, وتعدد فنون الإرهاب والإجرام اليومي, والقمع والتشريد بحق الشعب الفلسطيني المسلم العربي الأعزل, أو من خلال احتلال مختلف الأراضي الفلسطينية وأجزاء غالية من وطننا العربي.
ومنها ما كان بالتلميح والتجريح والتهديد والوعيد, وذلك بتجاهل الحقوق الفلسطينية الإنسانية منها والشرعية, والاتفاقيات الدولية وتسفيه معاهدات السلام المبرمة ما بين العرب وإسرائيل على مدى سنوات, وذلك كدليل واضح على أن إسرائيل, لا يمكن أن تحيا بدون توسع وحرب ودماء, وكدليل آخر على أن أقصى ما يمكن أن تفهمه حكومات هذه المستعمرة عن السلام , هو ما تدوسه بأرتال دباباتها وجرافاتها , من أطفال ونساء وشيوخ ومزارع , أو تقصفه بطائراتها من بيوت ومقدسات , وغيرها من مقدرات الشعب الفلسطيني , وهي حقيقة واضحة لم تنكرها مختلف زعاماتهم المؤسسة على مدى تاريخهم الأسود في هذه الأرض العربية .
فها هو موشيه ديان على سبيل المثال لا الحصر, يصف حال العلاقة التاريخية بين العرب وإسرائيل قائلا: إنه محكوم علينا أن نعيش - نحن شعب إسرائيل - حالة حرب دائمة مع العرب , وليس من مفر من التضحية وإهراق الدماء, قد يكون هذا وضعا لا نتمناه, ولكنه أمر واقع ... إذا أردنا أن نستمر في عملنا ضد رغبة العرب, علينا أن نتوقع تضحيات كثيرة , كما يشير إلى نفس الرؤية الإجرامية الإسرائيلية ولكن بطريقة أكثر جراءة وصراحة ودموية , جوزيف وايتز في كتابه " فلسطين وإسرائيل " يقول : يجب أن يكون واضحا فيما بيننا , أنه لا مكان في البلد للشعبين معا, فمع العرب لن نحرز هدفنا بأن نكون شعبا مستقلا في هذا البلد الصغير.
ولكن - وللأسف ـ مازلنا نحن العرب لم نستوعب بعد مغزى تلك الإشارات, أو أننا مازلنا نحاول أن نقنع أنفسنا بخلاف ما هو واضح منها, رغم ما عرف عن الإنسان العربي من سرعة بديهته وقدرته على الإحساس بمعنى العبارات والإشارات القادمة من الطرف الآخر وها هي إسرائيل هذه الأيام تؤكد تلك الحقيقة التاريخية, وهي أن صناعة السلام الذي تنشده إسرائيل في علاقتها مع العرب بوجه عام, ومع الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص, لا يتجاوز كونه لحظات من الاستراحة والهدوء الذي يسبق العاصفة, وفترات من اللعب على الذقون والشوارب العربية.
وها هي صناعة السلام والرغبة في التعايش الانساني على الطريقة الإسرائيلية تتضح فيما يحدث هذه الأيام من قيام الحكومة الإسرائيلية بطرح عطاءات لبناء 770 وحدة استيطانية في مستوطنة (جيلو) شمال غرب بيت لحم، و323 وحدة في القدس الشرقية، بالإضافة لمئات الوحدات الاستيطانية التي تم الإعلان عنها خلال الفترة الماضية وبشكل خاص تلك المستوطنات التي تحيط بالقدس الشرقية من الشمال والشرق والجنوب، بالإضافة لـ 42 وحدة استيطانية في مستوطنة كريات أربع في الخليل كرد على مقتل مستوطنين في تلك المنطقة, يضاف الى ذلك هدم اكثر من 650 منشأة فلسطينية حتى منتصف العام 2016، وتم هدم المزيد من المنشآت الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية بشكل اكبر مما كان عليه في كل عام 2015م .
وكما هو مشاهد فان المستعمرة الاسرائيلية الكبرى عندما تقوم بهذه التصرفات الهمجية, فإنها تقوم بها تحت أنظار المجتمع الدولي العاجز عن فرض ما يسمى بالقانون الدولي, والذي تطاولت عليه إسرائيل وقادتها على مدى التاريخ, إلى درجة أن أصبحت هي فوق هذا القانون ومنظماته الحقوقية والإنسانية بلا استثناء, بل ووفر لها هذا الصمت الدولي والدعم الأميركي والعجز العربي الغطاء اللازم لتحقيق غاياتها وأهدافها ومآربها التوسعية والاستيطانية, كما أشار إلى ذلك ادوارد سعيد أستاذ الأدب المقارن بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الاميركية, حيث يقول: إن العالم هو الذي جعل نجاح الصهيونية ممكنا, وأن الحس الصهيوني بأن العالم هو سند ومتفرج , هو الذي لعب دورا عمليا في النضال لأجل فلسطين.
هذا من جهة, أما من جهة أخرى ـ وللأسف - فإن ما زاد الطين بلة , وجعل من إسرائيل تتمسك بإرادة من فولاذ للسعي نحو تحقيق أهدافها الاستيطانية والتوسعية دون مبالاة بمختلف القوانين والقرارات والمعاهدات الدولية في هذا الخصوص, وتتعنت في قراراتها وسياساتها تجاه الأرض والشعب الفلسطيني , وتتعامل في سياساتها مع العرب بطريقة التحقير والتقزيم , هي سياسات الاستنجاد العربي بالغرب بوجه عام, وبالولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص, وذلك بهدف الضغط على إسرائيل للرضوخ للمطالب العربية الساعية للسلام, والهادفة لاستعادة المسلوب من حقوقها السيادية والشرعية, فهم بذلك كالمستعين على الرمضاء بالنار, والمستنجد بالذئب على غنمه.
وواحدة من أقرب الدلائل على ذلك الخطأ التاريخي والسياسي الذي وقع فيه العرب قديما وحديثا, باللجوء للغرب وللولايات المتحدة الاميركية تحديدا للضغط على إسرائيل بهدف إقناعها بسلام لا تفهم معناه, أو بمطالبتها بإقناع المستعمرة الإسرائيلية الكبرى ببعض التنازلات, هو أن الولايات المتحدة الاميركية نفسها كانت السبب الرئيسي في المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بوجه خاص خلال مختلف عقود طويلة ماضية, وفي الفوضى الهدامة التي يعيشها الشرق الأوسط بشكل عام , فقديما سهلت أميركا هجرة اليهود إلى فلسطين, وإقامة المستعمرة اليهودية وإقامة الهيكل المزعوم, وحديثا تحولت الى قفاز إسرائيلي.
وبالطبع فإن هذا ليس بجديد في العلاقة الاميركية الإسرائيلية, فالتاريخ والفيتو الاميركي, يؤكدان أن علاقة التزاوج الأبدي ما بين هذين الطرفين هي اكبر بكثير من أن يستطيع العرب أن يؤثروا عليها أو يضعفوها, أو حتى أن يخلقوا بعضا من التوازن في تلك العلاقة من جهة, والمطالب العربية من جهة أخرى, فهي علاقة ترتكز على خلفية تاريخية ودينية وسياسية ونفسية, تتحكم بها قوى داخلية وخارجية صهيونية , يصعب على أميركا أن توجهها أو تحتويها أو حتى تؤثر بها للصالح العربي, بل هو العكس من ذلك, فالقوى اليهودية هي المسيطرة على صناعة القرار وصياغته وتشكيله بالولايات المتحدة الاميركية, وهو ما يجعل من إسرائيل المتحكم بقبضة حديدية وإرادة تفوق إرادة المجتمع الدولي ومنظماته بطريقة إدارة مستقبل التعايش وشكله مع العرب بوجه عام , والفلسطينيين على وجه الخصوص.
وكتأكيد تاريخي على هذا , نورد واحدة من مئات الأدلة على ذلك , فبحسب ما ذكره مؤلف كتاب " إسرائيل خنجر أميركا " ص 37 , من أن الرئيس الاميركي الثاني جون آدمز وجه في عام 1818 م رسالة إلى الكاتب اليهودي مردخاي نوح وكان يشغل منصب القنصل الاميركي في تونس, جاء فيها: إنني أرغب حقا في رؤية اليهود ثانية في أرض يهودا كاملة ومستقلة, كما أكد ذلك كذلك بن جوريون في كتابه " العرب والفلسطينيون وأنا ", كما كان ذلك من الرئيس الاميركي الثالث توماس جفرسون وغيرهم من المؤسسين للولايات المتحدة الاميركية, أما حديثا فقد أكد هذه الرؤية العديد من الرؤساء الاميركيين, كالرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون وجورج بوش الابن, فها هو قسيس بيل كلينتون وفي العام 1980 م يؤكد على كلينتون, بأنه إذا أهمل إسرائيل فلن يغفر الله له أبدا ... فإن الله يشاء أن تبقى إسرائيل الوطن الكتابي لشعب الله إلى أبد الآبدين, "انظر - انتون لاجارديا, أرض مقدسة حرب غير مقدسة: الإسرائيليون والفلسطينيون, لندن, جون موراي ص 327 " 0