[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
أسيل ماء كثير تحت جسر قمة جامعة الدول العربية في دورتها السابعة والعشرين والتي استضافتها الجمهورية الإسلامية الموريتانية مشكورةً انقاذًا لما تبقى من ماء بوجه هذه الجامعة العتيدة، حيث كان لافتًا اتجاه الأنظار إلى الدور الإطفائي الذي لعبته نواكشوط في لملمة أشلاء العرب الذين مزقتهم رماح خلافاتهم وسواطير تواطؤ بعضهم إزاء قضاياهم المصيرية، والارتماء في أحضان أعدائهم بكل عنفوانهم وأموالهم وإعلامهم وأيديولوجياتهم، وكذلك تسليط الأضواء إلى التمثيل الهزيل لوفود الدول الأعضاء، والخشية من العقارب والثعابين والبعوض والسحالي وغير ذلك.
ومع التمثيل الرسمي الهزيل في القمة، فإنها لم تخرج عن تلك الصورة النمطية المعروفة عنها بأنها منبر يتبارى فيه المعتلون كراسي طاولة انعقادها في إلقاء خطبهم التي كانت تعبيرًا واضحًا عن توجه أنظمة قائليها، ومرآةً عاكسةً لحالة التشرذم والفشل التي تعيشها الجامعة وتنتقل إليها من حين إلى آخر؛ ولذلك لا غرو أن يعكس التمثيل الهزيل هزال الوضع العربي، والانحدار الذي وصلت إليه جامعة الدول العربية كتعبير صادق عن ما آل إليه حاضر العرب ومستقبلهم.
جامعة الدول العربية منذ تأسيسها وإلى اليوم لم تحقق إنجازًا لا سياسيًّا ولا اقتصاديًّا ولا حتى أمنيًّا يحسب لها يعزز المواطنة ويدفع باتجاه الوحدة العربية، بل إن مواقفها الهزيلة وصمتها المريب قتلا كل الأحلام العربية بالمشروع القومي والوحدة العربية، فقدما ـ ولا يزالان يقدمان ـ خدمات جليلة للمشاريع الغربية ـ الإسرائيلية لبعثرة المنطقة وإعادة رسم خريطتها وتغيير هويتها العربية والثقافية. وبات الفشل هويةً لها، والمؤسف أن الحدود الفاصلة بين الفشل والفشل أخذت تتحول إلى جبهات اشتعال يوغل خلالها وعبرها كيان الاحتلال الصهيوني في قضم وهضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية والتشفي من الشعب الفلسطيني والتآمر على الدول العربية وشعوبها، وبالفشل والتواطؤ في مراحله الراهنة والهرولة نحو التطبيع الكامل المتزامن مع السرعة الهائلة الإسرائيلية نحو إنجاز مشروع التصفية للقضية الفلسطينية، تساند جامعة الدول العربية ـ بعد تعليق عضوية الممانعين وتحييد بعضهم ـ المحتل الإسرائيلي في توفير ما يلزمه وما يحافظ على سرعته نحو مشروعه، وتغطية هذا التواطؤ والفشل بالارتماء في أحضان مجرمي الحرب الإسرائيليين وقتلة أطفال ونساء وشباب وشيوخ فلسطين والعرب بخديعة مواجهة المد "الصفوي" الذي لولاه لما صمدت الضفة وغزة، ولما صمد لبنان وجنوبه، ولما قاومت سوريا مؤامرة التدمير.
وبغض النظر عن ما تضمنه البيان الختامي للقمة الذي نشر في الصحف قبل قراءته على المجتمعين والمستمعين والمتابعين في ختامها من بنود، خاصة البنود المتعلقة بالقضية الفلسطينية هو تكرار أو نسخ لما سبقه من بيانات قمم، ورغم هذه المرحلة التي تحول فيها العدو الإسرائيلي إلى "عدو عاقل" ما يؤهله لأن يكون اليوم صديقًا وحليفًا أمام "صديق جاهل"، وسادت فيها الانهزامية وفلسفة التعايش مع الانحدار والتحايل لإدارة الانحطاط، وتأهيل المجتمعات لتقبل هذا الانحطاط والانحدار، بغض النظر عن كل ذلك، إلا أن العدو الإسرائيلي "العاقل" حرص على أن يرسل رسائله ـ كما في كل مرة ـ إلى المهرولين إلى التطبيع والتحالف معه عبر آلته الحربية بأنه جاهز، وأن ما حدث ويحدث من تطورات لصالحه لا فكاك عنها حاضرًا ومستقبلًا، ومن بين هذه الرسائل التي جاءت أثناء انعقاد القمة العربية في دورتها السابعة والعشرين بنواكشوط:
أولًا: قيام جيش العدو الإسرائيلي بشن غارتين إرهابيتين على المباني السكنية في مدينة البعث في القنيطرة بالمنطقة المحررة من الجولان السوري المحتل، وهي رسالة واضحة في مضمونها تأييدًا لمجتمعين من أصحاب النيات المبيتة ضد سوريا والمتوائمة والمتواكبة مع "الصديق الإسرائيلي العاقل"، وأن هذا "الصديق" مستعد لمواصلة مشروع تدمير سوريا والذهاب بعيدًا في ذلك، وهي رسالة دعم أيضًا من "الصديق الإسرائيلي العاقل" لأصدقائه المجتمعين وما لاقوه من ممانعة في ملفي سوريا والمقاومة، حيث لم يأتِ بيان القمة وفق النيات والأحلام والمشاريع المبيتة.
ثانيًا: قيام جيش العدو الإسرائيلي بهدم أحد عشر (11) منزلًا فلسطينيًّا في قرية قلنديا، القريبة من القدس في الضفة الغربية المحتلتين، فضلًا عن أربعة مبانٍ في أحد أحياء المدينة المقدسة. فيما أطلق رجال أمن إسرائيليون عند حاجز قرب القدس المحتلة النار على فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 18 عامًا. وهذه أيضًا رسالة واضحة من "الصديق الإسرائيلي العاقل" بأن مشروع التصفية للقضية الفلسطينية ماضٍ، ولن تكون هناك أثمان مقابل هرولة التطبيع والتحالف، لماذا؟ لأن العدو الإسرائيلي بات مطمئنًّا أن المطبعين والمتحالفين معه أصبحوا في حاجة ماسة لخدماته، والتحالف معه لخدمة مصالحهم ولو كان على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، والشعوب العربية الرافضة للاحتلال الإسرائيلي.