لا أحد يشك في العالم كله أن الاتجار بالبشر ظاهرة استفحلت وتحولت إلى آفة مدمرة لخطط النهوض بالبشرية ومجتمعاتها واستقرارها وتنميتها، ومعوق خطير أمام سبل بسط الأمن والاستقرار لإفساح الطريق للتنمية، لكن أسلوب تعامل الدول مع هذه الآفة الخطيرة وطريقة معالجتها ومواجهتها هما اللذان يميزان بين العقلاء الواعين بحقوق الإنسان وحق البشر في الحياة والعيش الكريم والاستقرار واحترام هذه الحقوق، وبالتالي تحصين مجتمعاتهم من مثل هذه الظواهر والآفات الضارة، وبين أولئك الذين يصنعون من هذه الظواهر والآفات (حصان طروادة) ليختبئوا داخله من أجل تنفيذ برامج عدائية ووسائل ضغط على دول موضوعة على أجندة التدخل في شؤونها لابتزازها، في الوقت الذي لايزالون هم يمارسون فيه أبشع صنوف الاتجار بالبشر وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب والعنصرية وغيرهما من أشكال التمييز العنصري ضد البشر، ولا تزال تجره هذه الأشكال من ويلات وكوارث على الإنسانية وحقوقها في الحياة، بما لا يتوافق مع الحكمة الإلهية في الخلق والتشريع لرعاية مصالح الناس وحفظ حقوقهم.
والمؤسف أن برامج مكافحة جريمة الاتجار بالبشر أصبحت مساحة حافلة بأشكال الترهيب والابتزاز الدوليين، وتمثل التقارير الصادرة عن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، سواء كانت منظمات دولية رسمية أو منظمات خاصة، شكلًا من أشكال الترهيب والابتزاز، بالنظر إلى عدم الموضوعية والدقة في تقصي الحقائق التي غالبًا ما تكون مبنية على حالات فردية؛ ولذلك كثيرًا ما تفتقر إلى المهنية.
السلطنة كعادتها في مثل هذه القضايا والظواهر المعطلة للتنمية والباخسة لحقوق الإنسان، لم تكن في مؤخرة الركب، وإنما في مقدمته انطلاقًا من مبادئها الراسخة، وقيمها الثابتة وعاداتها وتقاليدها السوية، ومن تمسكها بمبادئ الدين الإسلامي وقيمه ونظرته الثابتة في نصوص القرآن والسنة المطهرة تجاه الإنسان وحقوقه وحرماته، كالدم والدين والأخلاق والعرض والمال. وتشكل الجهود القائمة والمبذولة من قبل حكومة السلطنة نحو مكافحة جريمة الاتجار بالبشر بسن القوانين والتشريعات، والانضمام إلى المؤسسات والمنظمات الدولية شكلًا من أشكال المعالجة الموضوعية لهذه الجريمة، خاصة وأن السلطنة تنهض في معالجتها على أساس بحث العوامل المسببة لهذه الظاهرة/الجريمة التي لا تشكل بيئة ملائمة لانتعاش السلوكيات المخربة والإجرامية فحسب، وإنما تمثل أيضًا بيئة مغرية لذوي المطامع في تحقيق أرباح عن طريق السخرة والمتاجرة بالبشر وطاقاتهم، واستغلال ظروفهم وحاجاتهم المعيشية التي دفعتهم إلى هذه الحال المؤلمة. وبصدور المرسوم السلطاني رقم (126/2008م) في الـ23 من نوفمبر 2008م أصبحت السلطنة رسميًّا ضمن قائمة الدول التي أصدرت تشريعات خاصة بجريمة الاتجار بالبشر، فقانون مكافحة الاتجار بالبشر في السلطنة جاء منسجمًا ومتناغمًا مع المتطلبات الدولية في هذا الشأن من ناحية، ومع الأعراف والتقاليد العمانية التي تنبذ كافة أشكال الاتجار بالبشر انطلاقًا من معتقداتها الدينية من ناحية أخرى، وقد أضيفت إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر اللائحة التنفيذية التي وضعت آليات مناسبة لترجمة هذا القانون إلى واقع ملموس، من خلال إشراك كافة الجهات المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر في السلطنة في الجهود الرامية إلى الحد من هذه الجريمة.
كما أن مشاركة السلطنة دول العالم في الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر والذي يصادف الحادي والثلاثين من يوليو من كل عام، يؤكد حرص السلطنة على ضرورة القضاء على هذه الآفة، وتجنيب البشرية شرورها، وذلك من خلال الندوة التي رعاها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة بجامع السلطان قابوس الأكبر أمس والتي نظمتها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بالتعاون مع وزارة الخارجية، حيث أكدت الندوة كرامة الإنسان وحريته في الحياة، والعدل والمساواة التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، وحرمة الفحشاء والمنكر، والبغي ختامًا بالعقوبات التي يجب أن تترتب على المتاجرين بالبشر. وأن كرامة الإنسان هي الأصل والله تعالى هو الذي كرم الإنسان ومنحه هذه الكرامة أيًّا كان وهي ليست حكرًا على أحد.