[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” في الثمانينيات زاد ازدهار تجارة العملة وظهر أباطرة جدد يتعاملون في حجم دولارات تفوق ما هو موجود بالبنوك , وتم ضبط أشهر تاجر عملة في مصر آنذاك والذي اعترف بعلاقته برؤساء بعض البنوك الحكومية الذين سهلوا له الحصول على الدولارات بالسعر الرسمي ليبيعها للتجار والمستوردين في السوق السوداء بأسعار عالية ؛ مقابل عمولة يحصل عليها رئيس البنك المنحرف وتم فرض الحراسة على أموال المتورطين...”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عرفت مصر تجارة العملة منذ سبعينيات القرن الماضي وبالتحديد عقب حرب أكتوبر 1973م , وارتفاع أسعار النفط من 6و7 دولارات إلى 70و80دولارا للبرميل , وما واكبه من طفرة اقتصادية كبيرة في الدول العربية المنتجة للنفط في منطقة الخليج وشمال إفريقيا ؛ حيث انتعش الطلب على الأيدي العاملة المصرية للمشاركة في حركة التشييد والعمران وإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتدفقت على مصر في ذلك الوقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج سواء عن طريق البنوك الرسمية أو السوق السوداء قبل أن تظهر في مصر شركات الصرافة تزامن مع ذلك قرار الرئيس الأسبق أنور السادات بالانفتاح الاقتصادي على دول العالم بعد سنوات من الحصار الذي فرضته الدول الغربية على مصر / عبد الناصر جراء مواقفه المعادية لأميركا والغرب وإسرائيل واتباع مصر للسياسات الاشتراكية القائمة على سيطرة الدولة على الأنشطة الاقتصادية عن طريق التأميم والاعتماد على القطاع العام في التشغيل والإنتاج ومحاولة الاستغناء عن السلع والمنتجات الترفية المستوردة, وتسخير موارد الدولة للمجهود الحربي ورفع شعار" لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
وللأسف كان انفتاح السادات انفتاحاً استهلاكياً أو كما أطلق عليه البعض "انفتاح السداح مداح " استغل تعطش المصريين للسلع والمنتجات الاستهلاكية المستوردة وظهرت مجموعة من التجار الانتهازيين أطلق عليهم "تجار الشنطة" , قاموا بشراء العملات الصعبة من المصريين العاملين في الخارج واستخدموها في فتح اعتمادات مالية في البنوك بالدولار لاستيعاب هذه الطفرة من الدولارات واستغلوا هذه الحسابات الدولارية في استيراد الملابس الجاهزة والأجهزة الكهربائية وأدوات التجميل انتهاء بطعام القطط والكلاب وأغرقوا بها الأسواق المصرية.
كما ظهرت قي ذلك الوقت شركات توظيف الأموال "الريان وإخوانه" لتلقف الدولارات المرسلة إلى مصر وشرائها بسعر أعلى من البنوك وبدأ الجنيه المصري رحلة الهبوط بعد سيطرة هذه الشركات على تجارة الدولار وتهريبه للخارج حتى بلغ حجم هذه التجارة قرابة ملياري دولار حسب إحصائية البنك المركزي في عام 1982م .
كما تورط في تجارة العملة عدد من العاملين في البنوك وموظفون كبار يشغلون مناصب حكومية حساسة ؛ استغلوا وجودهم داخل الجهاز المصرفي ليقوموا بنقل وتبادل الأموال خلال يوم أو اثنين من شخص لآخر وإيداعها بحسابات بنكية بالخارج ليتم تحويلها بعد ذلك إلي حسابات بنكية محلية داخل مصر لسرعة دوران رأس المال الذي كان في ازدياد كبير؛ وظهرت طبقة طفيلية حققت ثروات طائلة من وراء التجارة في العملات الأجنبية.
في الثمانينيات زاد ازدهار تجارة العملة وظهر أباطرة جدد يتعاملون في حجم دولارات تفوق ما هو موجود بالبنوك , وتم ضبط أشهر تاجر عملة في مصر آنذاك والذي اعترف بعلاقته برؤساء بعض البنوك الحكومية الذين سهلوا له الحصول على الدولارات بالسعر الرسمي ليبيعها للتجار والمستوردين في السوق السوداء بأسعار عالية ؛ مقابل عمولة يحصل عليها رئيس البنك المنحرف وتم فرض الحراسة على أموال المتورطين الذين أدينوا بالتربح من وظيفتهم والتورط في ممارسات أضرت بالاقتصاد الوطني .
كما شهدت تلك الفترة تشابكات بين تجارة العملة وشركات توظيف الأموال تحت شعارات دينية , حيث استغلوا بعض الفتاوى الدينية التي تحرم فوائد البنوك, بينما تحلل تجارة العملة وإيداع الأموال في شركات التوظيف القائمة على نظام المرابحة حتى وإن حددت شركات التوظيف نسبة فائدة ثابتة قدرها 20 و 25% من رأس المال لجذب أموال المودعين الذين سحبوا أموالهم من البنوك التي كانت تعطي فائدة لا تتعدى 8% , حتى أوشكت البنوك الحكومية على الإفلاس.
تحركت الحكومة ضد هذه الشركات وقامت بإغلاقها والقبض على أصحابها ومن خلال التحقيقات اتضح أنها كانت تضارب بأموال المودعين في البورصات الأجنبية وتتاجر بالعملة في السوق السوداء وتعطي الفوائد المرتفعة من الإيداعات الجديدة , وتبين أن المشاريع التي كانت تعلن عنها معظمها وهمية لكسب ثقة المودعين كما اتضح تورط بعض ضباط الشرطة ومسؤولين وإعلاميين ورجال دين كبار كانوا يتقاضون أموالا من هذه الشركات أو وضعت أسماؤهم ضمن كشوف البركة التي وصلت فيها الفائدة لـ 60و70% ؛ في مقابل الترويج والدعاية لهذه الشركات وحث الناس على إيداع أموالهم بها.
شهدت أسعار العملات في التسعينيات بعض الاستقرار نتيجة السياسات الاقتصادية المتوازنة التي اتخذتها حكومة الدكتور كمال الجنزوري وانتعاش السياحة وزيادة حصيلة الصادرات وإنشاء شركات للصرافة للقضاء على السوق السوداء لتجارة العملة بعد توحيد سعر صرف الدولار ليتساوى سعره داخل البنوك مع سعره بالصرافة مع هامش ربح بسيط, ولكن سرعان ما أطاح حسني مبارك بالجنزوري وحكومته, وجاءت حكومة عاطف عبيد وأطاحت بكل إنجازات الجنزوري وقامت بتعويم الجنيه, وصحا المصريون من نومهم ليجدوا مدخراتهم فقدت النصف بعد ارتفاع سعر الدولار من 3.5جنيه إلى 7جنيهات مرة واحدة ؛ تنفيذا لتعليمات البنك الدولي الذي اشترط تعويم الجنيه وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي للموافقة على إقراض مصر .
وترك حسني مبارك الحكم في فبراير 2011م , وحصيلة مصر من العملات الأجنبية أكثر من 36 مليار دولار, وعقب اندلاع ثورة يناير شهدت البلاد حالة من الفوضى والانفلات الأمني أثرت على السياحة والاستثمار وتراجعت حصيلة الصادرات وبدأ السحب من الاحتياطي النقدي لتلبية فاتورة استيراد المواد الغذائية والمواد البترولية التي تحولت مصر من مصدر لها إلى مستورد نتيجة مغادرة الشركات الأجنبية مصر بسبب تردي الأحوال الأمنية وعجز الحكومة عن سداد مستحقاتها ورغم ذلك شهدت أسعار الدولار زيادات معقولة لم تتجاوز 10% من قيمته.
بعد أحداث 30/6/2013م وانتخاب رئيس جديد استبشر المصريون خيرا ومنوا أنفسهم باستقرار الأحوال الاقتصادية مع إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة والحديث عن مشروعات قومية عملاقة في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة وانتظروا أن ينعكس ذلك على ظروفهم المعيشية, ولكن للأسف استمر انخفاض سعر الجنيه المصري أمام الدولار وزاد التضخم وانفلتت الأسعار لحدود غير مسبوقة ؛ نتيجة استيراد مصر أكثر من 70% من احتياجاتها من الغذاء والسلع ومستلزمات الإنتاج مع استمرار الزيادة السكانية وقلة الإنتاج.