كل التحركات الأميركية في المنطقة لا يمكن أن تتم بمعزل عن التنسيق التام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بناءً على علاقة التحالف الاستراتيجي والالتزام الأميركي بحماية هذا الكيان الغاصب بشتى الطرق رغم ما يمارسه من جرائم حرب وانتهاكات تتنافى مع القانون الدولي، بل إن كل هذه الجرائم والانتهاكات في ميزان السياسة الأميركية هي "دفاع عن النفس"، ووفقًا لذلك بات من حق الجندي الإسرائيلي أو المستوطن أن يمارس وحشيته الدمويةـ ويتلذذ بقتل الأبرياء الفلسطينيين تحت طائلة "حق الدفاع عن النفس".
فاللقاءات التي أجراها ويجريها جون كيري وزير الخارجية الأميركي أو أي مسؤول أميركي سياسيًّا كان أو عسكريًّا أو غير ذلك لا بد أن يكون الشأن الإسرائيلي حاضرًا، فكيف الحال حين يكون الأمر متعلقًا بملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي وملف القضية الفلسطينية. واللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وجون كيري في باريس وشدد فيه أبو مازن على حاجة المنطقة إلى الاستقرار والسلام والتعايش، وأهمية تجاوب كيان الاحتلال الإسرائيلي مع المبادرات المطروحة وخاصة المبادرة الفرنسية ومبادرة السلام العربية، وأهمية الدور الأميركي في الضغط على الحليف الإسرائيلي حيال ذلك، كانت نتائج هذا اللقاء مرفوعة من قبل كيري إلى حليف بلاده بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، غير أنه لم يرشح شيء يؤكد استجابة الطرف الأميركي بداية لمطالب الرئيس عباس في اللقاء، بل على العكس رشح عكس ذلك حيث أكد نتنياهو رفضه للمبادرة الفرنسية وتفضيله للمبادرة المصرية. وحين يلجأ نتنياهو إلى مثل هذه الأساليب فإنه يلجأ إلى أسلوب المراوغة، فهو لا يريد إغضاب الجانب المصري من ناحية، ومن ناحية أخرى يريد أن يخلط الأوراق وأن يؤثر سلبًا على المبادرة الفرنسية وتمييعها وتفريغها من مضمونها، والسؤال لماذا؟
والجواب يتعلق بالزخم الدولي وعدد الفاعلين والواقفين وراء المبادرة الفرنسية ـ رغم اليقين بأنها لن تكون في غير صالح كيان الاحتلال الإسرائيلي وتصب في صالح الشعب الفلسطيني ـ وهذا ما يظهر في كلام نتنياهو صراحة حيث قال "لا أعتقد أن هناك جدوى من إشراك دول بعيدة عن المنطقة في العملية. يجب إشراك دول المنطقة التي تبدي اهتمامًا بذلك. أرغب في عملية تقوم فيها دول المنطقة بدفع عملية التطبيع مع "إسرائيل"، والمفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين".
ويفهم من ذلك أن نتنياهو يعلم تمامًا أن الدول خارج المنطقة تمتلك نفوذًا وقدرةً لا سيما في حجم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وغيرها إذا ما ساندت فرنسا في مبادرتها، وبالتالي ليس بإمكانه المناورة والمراوغة على النحو الذي يبتغيه الآن من الكذب والخداع بأنه يريد مشاركة دول المنطقة؛ لكي يلعب على عواطفها ويجرها إلى مقصلة التطبيع المجاني على حساب القضية الفلسطينية.
الحقيقة الثابتة هي أن كيان الاحتلال الإسرائيلي غير معني بالتعاطي إيجابيًّا مع جهود إعادة إحياء العملية التفاوضية والسياسية بينه وبين الجانب الفلسطيني، ويعمل على إيصاد الأبواب على حملة المبادرات والتحركات، وهذا لا يمكن أن يكتب له النجاح لولا الدور الأميركي السلبي جدًّا، والمتواطئ دائمًا مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي للأسف.