[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في الوقت الذي تنزف فيه دماء الطيارين الروس وتتناقل مواقع التواصل الاجتماعي المشاهد المقززة لمعارضة الولايات المتحدة "المعتدلة" وهي تسحل أولئك الطيارين، يخرج عرَّاب "المعارضة المعتدلة" جون كيري وزير الخارجية الأميركي على الملأ مطالبًا روسيا بعدم تنفيذ ضربات عسكرية في سوريا وبأن تمنع دمشق من القيام بذلك أيضًا.
إن الطلب الأميركي ليس الأول ولن يكون الأخير، بالنظر إلى الوضع الميداني الذي يشهد تطورات لافتة لصالح الدولة السورية في إطار محاربتها الإرهاب الكوني العابر للقارات، فالأميركيون لا يتدخلون في الشأن الداخلي السوري بصورة مباشرة أو عبر موسكو إلا حين يشهد الميدان انكسارات متوالية وهزائم متلاحقة بحق فلول الإرهاب المصنفة أميركيًّا بـ"المعتدلة"، وذلك من أجل محاولة الحد من هذا التدهور في صفوف هذه الفلول الإرهابية، وبهدف منحها الوقت لتستعيد أنفاسها وتنظم صفوفها، واستغلال الوقت في تهريب كميات جديدة من الأسلحة النوعية وغير النوعية، وفي جلب المزيد من التكفيريين والمرتزقة والإرهابيين من أفغانستان وباكستان والشيشان والقوقاز والصين والمغربي العربي والخليج العربي وغيرها من بقع العالم.
التدخل الأميركي الجديد الذي يبذل فيه كيري جهودًا جبارة علَّه ينجح فيها، يأتي في ظل تطورين مهمين من شأنهما أن يغيرا الكثير من موازين الصراع، وينقلان معركة سوريا وحلفائها مع الإرهاب إلى مراحل متقدمة جدًّا من الفاعلية العسكرية والتنسيق والضربات الدقيقة والمحكمة والقوية، واتخاذ إجراءات أشد صرامة، وهذا ما يبدو أن الأميركي ومن معه من داعمي الإرهاب عبر عنوانه العريض المخادع وهو "معارضة معتدلة" يحسبون له ألف حساب، ويحاولون المزج بين العرقلة وامتصاص الغضب:
التطور الأول: يتمثل في التقدم الميداني اللافت في مدينة حلب بعد النجاح اللافت في معركة السيطرة على طريق الكاستيلو ومعامل الليرمون والتقدم الإضافي المتدحرج في عمليات القضم والتطهير والسيطرة على مخيم حندرات، وتمكن الجيش العربي السوري وحلفائه من إنقاذ العديد من أحياء مدينة حلب وأهلها من الهجمات الإرهابية الغاشمة والحاقدة التي تعرِّي حجم الكذب والزيف الذي تتستر به القوى الداعمة للإرهاب والمتدخلة في الشأن الداخلي السوري وتعميق الأزمة، وهو بأنها حريصة على الدم السوري، وأن تدخلها من أجل مساعدة الشعب السوري حتى تحقيق تطلعاته. ولعل المسيرات العارمة في شوارع حلب وأحيائها والمعبرة عن الفرح والامتنان للجيش العربي السوري وحلفائه على تخليصهم من الجحيم الذي كانت تحكمه عليهم التنظيمات الإرهابية والذي كانت أفرانه تحصد يوميًّا العشرات بين قتيل ومصاب، كافية وخير دليل وشاهد على حجم العري والكذب الذي حاولت القوى المتآمرة على الشعب السوري أن تنسل منه وتتغلغل في مدن سوريا وقراها وأريافها، وتغرس فيه جذور الإرهاب الكوني الذي أنتجته ودعمته وأطلقت عليه كذبًا وزورًا اسم "معارضة معتدلة".. ولذلك لو كان الأميركيون ومن هم تحت عباءتهم صادقين مخلصين فيما يعلنونه ويدَّعونه لجنحوا إلى الطرق السلمية والأنجع في تحقيق التطلعات والطموحات والآمال، لكن الأمر ـ كما أثبتته الأحداث والأيام والشواهد ـ هو أبعد وأخطر من مصلحة الشعب السوري، الذي لن يكون أفضل حالًا من الشعب العراقي والشعب الليبي اللذين رفعت شعارات أن الهدف من التدخل في العراق وليبيا هو إرضاع شعبيهما "ألبان الحرية والديمقراطية، والعدالة والمساواة والدولة المدنية الديمقراطية" فإذا بهذين الشعبين العربيين يبحثان عن بلديهما على الأرض، ويستعدان للبحث عنهما في الخريطة الجغرافية والسياسية. فالمطلوب صهيونيًّا وأميركيًّا وغربيًّا وبعض عربيًّا هو قطع رأس سوريا وتقديمه على طبق من ذهب لكيان الاحتلال الصهيوني، ومثلما قالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون حين سئلت عن تسبب بلادها في قتل نصف مليون طفل عراقي أجابت بأن ذلك يستحق لمصلحة الولايات المتحدة، في حين قال المحارب جورج بوش "الصغير" والغازي لبلاد الرافدين في معرض تبريره للغزو إن العراق يهدد جيرانه، والمقصود بالجيران ـ كما تبين للمغيبين والمعزولين عن الواقع من العرب فيما بعد ـ هم كيان الاحتلال الصهيوني، فها هي المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي تشير استطلاعات الرأي إلى تقدمها على منافسها الجمهوري دونالد ترامب تعلن صراحة ودون أدنى مواربة أنه يجب هدم سوريا لأجل كيان الاحتلال الصهيوني، وفق تسريبات ويكيليكس لإحدى رسائل المرشحة هيلاري لرئاسة الولايات المتحدة.
التطور الثاني: استهداف مروحية روسية من نوع "مي 8" على متنها خمسة عسكريين روس فوق محافظة إدلب، حيث أعلن رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية، سيرجي رودسكوي، أمس الأول أن المروحية أسقطت في سوريا بضربة أرضية فوق منطقة خاضعة لسيطرة تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي وفصائل ما يعرف بـ"المعارضة المعتدلة". مضيفًا "طاقم المروحية يتكون من 3 أشخاص وضابطين من مركز المصالحة الروسية. وحسب المعطيات الأولية قتلوا جميعًا". وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوهات تظهر الأفعال البشعة التي قام بها تنظيم "النصرة" والتنظيمات الإرهابية المنضوية معه والمصنفة أميركيًّا بـ"المعتدلة" بالتمثيل بجثث العسكريين الروس وسحلهم. وهذا دون شك سيثير غضب الروس وحفيظتهم ليس لكونها إهانة بحق دولة عظمى فحسب، وإنما إهانة للشعب الروسي كله، وهو ما ستكون له تبعات وردات فعل لرد الاعتبار والانتقام ممن مثَّلوا بجثث العسكريين، ومن المؤكد أن الغضب الروسي لن يقتصر على تنفيذ ضربات ضد الإرهابيين في إدلب وإنما توسيع نطاق الاستهداف في الجغرافيا السورية، فضلًا عن أن هذه الجريمة تسقط بالجرم المشهود الفرية الأميركية "معارضة معتدلة". فالاعتدال يتنافى عقلًا ومنطقًا مع الأعمال الإرهابية كلها، وليس فقط مع التمثيل بالجثث وسحلها.
على الجانب الآخر تعيد هذه الجريمة البشعة بالتمثيل بجثث العسكريين الروس ـ ومع الاختلاف بين هوية الفاعلين وأهدافهم ـ بحادثة مشابهة قام بها عراقيون في مدينة الفلوجة في نوفمبر العام 2004م، بقنص عدد من الجنود الأميركيين والتمثيل بجثثهم، وهي حادثة هزت الولايات المتحدة التي نظرت إليها على أنها إهانة، وعلى أثر هذه الحادثة قام الجيش الأميركي بمحاصرة مدينة الفلوجة وقام بقصفها بالفوسفور الأبيض الحارق مرتكبًا في المدينة جريمة إبادة غير مسبوقة، حيث تفحمت جثث أهالي المدينة والمقاومين للغزو الأميركي، فلا تزال الذاكرة مشحونة بتلك المناظر المؤلمة التي بدت جثث العراقيين طعامًا للكلاب السائبة في الفلوجة. والسؤال الذي يطرح ذاته: هل سيلجأ الروس إلى مثل هذا الأسلوب الانتقامي في إدلب؟ من المؤكد أن الروس لن يلجأوا في انتقامهم إلى تعميمه ليشمل الأبرياء والمتورطين، ففي مثل هذه المواقف الصعبة تظهر الفوارق بين من يحترم القانون الدولي ويحارب الإرهاب، وبين من يخرق القانون الدولي ويتخذ من محاربة الإرهاب ذرائع لتدمير الدول واستهدافها وإبادة شعبها.