في العربية كلمات تتقارب في نطقها ورسمها ودلالتها واحدة ، ووجه التقارب فيها أن حرفاً منها ، أو صوتاً ، يتغيّر من لفظة إلى أخرى نحو قولك : آن الرحيل ، وحان الرحيل ، ومنه ما أورده الجوهري في صحاحه ( آن لك أن تفعل كذا وكذا أي حان). وقولك على الصوت المنبعث من اختلاط الناس وجلبتهم : الضجيج أو الأجيج . وتعبير العرب عمّن ذهب عقله بقولهم : أَلِسَ فلان وهَلِسَ . ومنه قولهم : لَحَمَ الشيءَ ولأَمَهُ أي ألصقه فالتَأَمَ الجرحُ والْتَحَمَ بمعنى بَرَأَ . ويقال : لَمَأَ الشيءَ أبصره كلَمَحَهُ ، واللَّمأ واللَّمح : سرعة إبصار الشيء . وأمثال هذه الكلمات قد تكون من القارئ موضع استغراب أو استفسار وتساؤل عن علّة مجيئها على هذا النحو ، ففي مثل هذه الحال لا يحتكم إلى قواعد نَصَّ عليها أهل اللغة والنحو لاستجلاء الغموض في أمر هذا اللون من صلات الرحم والقربى بين الألفاظ والأصول في لغتنا ، إنما يحتكم إلى الدربة والخبرة ومؤالفة خصائص العربية وتطورها في الأصوات وصفات الحروف ، وفي اختلاف اللهجات منذ القديم ، كما يحتمل تفسير مثل هذا التقارب بردّه إلى أخطاء النطق ، أو إلى عدم سلامة جهاز السمع ، أو إلى التصحيف والتحريف وأخطاء الورّاقين ، أو إلى كون اللفظة دخيلة من لغة أخرى فتنطق على أكثر من وجه نحو كلمة : الأُربون والعُربون لما يدفع في بداية الشراء أحياناً. والإيوان ، واللِّيوان لفسحة من مرافق البيت . والفندق وهو خان من هذه الخانات التي ينزلها الناس ، مما يكون في الطرق والمدائن وقد حكى الفرّاء أنه سمع أعرابياً من قضاعة يقول فنتق للفندق وهو الخان. وربما كان مردّ ذلك التقارب إلى تشابه في الحركة لا تحققه العين على نحو واضح دقيق كقول العرب على حركة السَّراب الذي يبدو كماء في الصحراء: رَعْرَعَة السَّراب ، ورَهْرَهَة السَّراب ، أو هَبْهَبَتُه ، أو لألأتُه ، وكلها كما ترى بوزن الفَعْلَلَة الدَّال على حركة متتابعة متشابهة ، كما يرجع مثل هذا التشابه والتقارب إلى اختلاف تقدير السامعين للأصوات ، أو تنوّع الأصوات نفسها بقليل من الاختلاف في الجرس نحو زقزقة العصافير ، وسقسقتها ، وشقشقة الشحرور والشقرّاق ، والبعير . وأحياناً تكون دلالة الأصول مبنيّة على وفق صفات الحروف المتقاربة نحو قولك : حَجَمَ ، وحَجَزَ، وحَجَرَ ، في معنى الحَبْس والإيقاف ، أو نحو : قَطَعَ ، وقَطَمَ ، وقَطَلَ ، وقَطَشَ ، وقَطَفَ ، في معنى القَطْع ، وأمثلة ذلك كثيرة في كتب اللغة ولكنها غير مطّردة لتصلح أداة لنظرية كما حاول بعضهم أن يتخذ منها .
ومن هذه الأمثلة : هَدَأَ وهَدَنَ ، وأَشَرَ بالمنشار ونَشَرَ به ، وأَرَقْتُ الماء وهَرَقْتُه، وهَزِيز الرَّعد وأَزِيزه ، والنَّئِيم والنَّهِيم لصوت الفيل . وآساه وواساه ، وأكّد و وكّد . وتقول : تشعّب الشيء وتشعّث. ورَفَاهة العيش ورَفَاغته. وآبت الشمس وغابت ، وآب الرجل وثاب بمعنى رجع . ويعبِّرون عند سند الحائط بقولهم : ودَأَمَ الحائط ، ودعمه ، ومنه : أمٌّ رَؤُوم ورَحُوم ، واكتأب الرجل واكترب. ومما يشبه هذا في العربية التعبير عن المعنى من الألفاظ ، فإذا أضفت حرفاً على الأصل تقوّى المعنى عندهم وتمكّن أكثر نحو قولك : رَصَّ ورَصَفَ ، كَدَّ وكَدَحَ ، رَدَّ ورَدَعَ ، هَدَّ وهَدَمَ ، بَتَّ وبَتَرَ وبَتَلَ أيضاً . فأنت في استخدامك لها قد تجد فرقاً يسيراً بين قولك تَرَاصَّ القوم في الصف أو تراصفوا ، أي تلاصقوا أو قام بعضهم إلى لزق بعض . ورَدَّهُ عن وجهه مثل رَدَعَهُ ، أي صرفه وكفّه عن مقصده. والكَدَّ : الشِّدَّة في العمل وطلب الكسب ومثله الكَدْح ، وكذلك الكَدْش ، إذ يقال: يَكْدَشُ فلان لعياله أي يَكْدَحُ من أجلهم.

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
أستاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]