الإنفاق في سبيل الله من أعظم أبواب الخير وأجلها، وأبركها, وأنفعها، فما أنفق شخص في سبيل الله إلا رفع الله شأنه، وأعلا مكانته، وأعظم منزلته، فهو في سعادة وطمأنينة، وماله في نمو وزيادة، قال الله تعالى:)مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة ـ 261(، شبه الله سبحانه النفقة في سبيله بمن بذر بذراً فأنبتت كل حبة منه سبع سنابل، اشتملت كل سنبلة على مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، وهذا بحسب حال المنفق وإيمانه، وإخلاصه، وإحسانه، ونفع نفقته، فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان، والإخلاص، والتثبيت عند النفقة، وهو إخراج المال بقلب ثابت، قد انشرح به صدره، ورضيت به نفسه، وخرجت من قلبه قبل أن تخرج من يده، وقد يتفاوت بحسب نفعه، ومصادفته لموقعه، وطيب المنفق وزكائه، وقال تعالى في معرض زيادة الأجر والثواب لمن أنفق في سبيله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة ـ 265).
لقد حثنا الله عز وجل على الإنفاق في سبيله. قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (البقرة ـ 245)، وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ) (البقرة ـ 267)، وقال تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن ـ 16)، وقال تعالى:(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات ـ 19)، وقال تعالى:(وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) (النور ـ 33)، وقال تعالى:(آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد ـ 7).
ومن أهمية الإنفاق في سبيل الله أنه يطهر النفس ويزكيها ويخلصها من البخل والشح.فأحد أبواب الابتلاءات التي ابتلانا الله بها، وامتحننا بها، أن أودع فينا خصلة البخل والشح قال تعالى:(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) (النساء ـ 128)، أي: طبعت عليه، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ قَالَ:(لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنَّ لَهُ وَادِيًا آخَرَ وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ وَاللَّهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ) ـ أخرجه مسلم.
وأمرنا سبحانه وتعالى أن نتطهر ونتزكى من تلك الخصلة الذميمة والصفة القبيحة. قال تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة ـ 103)، وقال أيضاً:(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى، لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) الليل 14 ـ 18).
ومن أهمية الإنفاق في سبيل الله أنه دليل وبرهان على صدق الإيمان، فلا ينفق إلا مؤمن ولا يتصدق إلا موقن، قال (صلى الله عليه وسلم):(الصدقة برهان).
الإنفاق في سبيل الله نجاة لك من النار، أنفق ينجيك الله من النار، ففي حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم):(مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) ـ متفق عليه.
التصدق والإنفاق سبب للرزق، هل تريد أن يرزقك الله؟ أنفق على عباد الله، هل تريد أن يوسع الله عليك؟ وسع على المحتاجين والفقراء، عن أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:(أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ).
لشدة أهمية الإنفاق، أمر اللهُ الفقراءَ بالإنفاق وحضَّهم عليه. قال تعالى:(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق ـ 7).
هل تظن أنك لو أنفقت لافتقرت؟! بل على العكس من ينفق يغنه الله ومن يمتنع عن الإنفاق يصاب بالفقر، قال تعالى:(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ ـ 39)، وقال أيضاً:(وما تنفقوا من خير يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون) (البقرة ـ 272)، وقال تعالى:(من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة) (البقرة ـ 245)، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:(مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَاد فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانَ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) متفق عليه.
هل تعلم أنك عندما تتصدق في سبيل الله تكاد يدك أن تمس يد الله عز وجل. عن عبد الله بن قتادة المحاربي عن عبدالله قال: إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل ثم قرأ عبدالله (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) الآية. رواه الطبراني.
ثواب الإنفاق في سبيل الله الدرهم بسبعمائة درهم، قال تعالى:(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة ـ 261)، عن أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل بناقة مَخْطومة إلى رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم):(لكَ بها يوم القيامة سبعُمائة ناقة كلُّها مخطومة). أخرجه مسلم.
أيهما أحبُّ إليك العطاءُ أم الأخذ؟ أيهما أحب إليك اليد العليا أم اليد السفلى؟ روى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أنه قَالَ:(الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ) ـ متفق عليه.
من فضل الصدقة أن الله عز وجل ينميها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل، عن أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم):(مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) ـ متفق عليه.
أنت صاحب مال وورثتك أصحاب مال أي المال أحب إليك: مالك أم مال ورثتك؟ هل تعرف ما هو مالك وما هو مال ورثتك؟، وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(أيكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟) قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا وماله أحب إليه، قال:(فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخّر) أخرجه البخاري.
وعن الأحنف بن قيس أنه رأى رجلا في يده مال: فقال: لمن هذا المال؟ فقال: لي، فقال: أما أنه ليس لك حتى يخرج من يدك، وفي معناه قيل: هل تريد أن يبقى لك مالك؟ أنفقه في طاعة الله ومرضاته.

إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري