[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/jawadalbashity.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جواد البشيتي[/author]
إنهم عرب.. هذه الجُمْلة نسمعها دائما منهم، وكأن لا وجود للعرب إلا في الخطاب السياسي والإعلامي للأعداء، أو الخصوم، القوميين للعرب، فإسرائيل تسمي الفلسطينيين من مواطنيها عرب إسرائيل؛ لأن الشعب الفلسطيني لا وجود، ولا حقوق قومية، له في أرض إسرائيل، فهو جاء إليها غازيا من أرض العرب، وينبغي له أن يعود إلى موطنه الأصلي، إلا إذا شمله الشعب اليهودي بشيء من رحمته الإنسانية..

اللعبة الطائفية (والمذهبية) التي تتسربل بالدين هي، في المقام الأول، لعبة سياسية؛ هي تلاعب سياسي بمشاعر العامة من الناس، والتي تَعْكِس واقع وتاريخ الفروق والاختلافات الدينية بين الطوائف والمذاهب؛ وفي هذه اللعبة، أو التلاعب، تكمن دائما مصالح ضيقة.
وكان زبجنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر، قد أسس نظريا لسياسة التفتيت الطائفي والمذهبي والعرقي للدول العربية، داعيا الرئيس كارتر إلى التغيير في الشرق الأوسط بما يجعل اتخاذ الطائفة والمذهب هوية للناس في البلاد العربية أمرا ممكنا وسهلا؛ أما كيسنجر فتحدث عن أهمية وضرورة جَعْل العالم العربي أقليات من طريق تمزيق دوله دينيا وطائفيا ومذهبيا، وإقامة إمارة عند كل بئر نفط؛ فهذه الطريق هي عينها الطريق إلى إسرائيل العظمى.
حرب الأيام الستة أنْتَجَت إسرائيل الكبرى جغرافيا؛ أما الحرب، التي من نارها ودمارها ودمائها وكوارثها، ستُبْنى، وسيكتمل بناء، إسرائيل العظمى فلن تكون حربا يخوضها جيش الدفاع الإسرائيلي، وإنما حرب تقتتل فيها قبائل العرب. إنني أفْتَرِض أنهم يقتتلون الآن من أجل الكلأ والماء لأغنامهم ومواشيهم؛ لكنني متأكد أن مضيهم قُدُما في هذه الحرب سيجعلهم يقتتلون من أجل كلأ وماء لهم، لا لأغنامهم ومواشيهم؛ فلن يبقى لديهم شيء من الأغنام والمواشي.
وأحسب أنني لا أغالي إذا قُلْت إن إسرائيل تستمد 90 في المئة من قوتها من انتشار العصبيات الطائفية والمذهبية، وكأنها تحتل بجنودها جزءا صغيرا من أرض العرب، وبتلك العصبيات سائر أرض العرب!
إنهم عرب.. هذه الجُمْلة نسمعها دائما منهم، وكأن لا وجود للعرب إلا في الخطاب السياسي والإعلامي للأعداء، أو الخصوم، القوميين للعرب، فإسرائيل تسمي الفلسطينيين من مواطنيها عرب إسرائيل؛ لأن الشعب الفلسطيني لا وجود، ولا حقوق قومية، له في أرض إسرائيل، فهو جاء إليها غازيا من أرض العرب، وينبغي له أن يعود إلى موطنه الأصلي، إلا إذا شمله الشعب اليهودي بشيء من رحمته الإنسانية، مبقيا، من ثم، على جزء منه في جزء من أرض إسرائيل، ليؤسس فيه دولة له لا يستحقها!
إسرائيل هي العدو اللدود للعرب إذا ما حاولوا الاتحاد القومي؛ ومع ذلك تريد لهم أن يتحدوا جميعا في الاعتراف بها على أنها دولة الشعب اليهودي فحسب، والتي يحق لها أن تعيش في أمن وسلام، وأن تتمتع بعلاقة طبيعية مع كل الدول العربية. إنها، أي إسرائيل، تُقِر بالوجود القومي للعرب ما أفادها هذا الإقرار في إقرار الدول العربية جميعا بحقها في الوجود الذي يقوم على نفي الوجود القومي للشعب الفلسطيني، وعلى نفي حقه القومي والتاريخي في فلسطين.
مِنْ هذا العدو القومي الأول نسمع تلك الجُمْلة التي يستطيب سماعها شعورنا القومي؛ ونسمعها، أيضا، من جماعات قومية وعرقية تنمو فيها الميول والنزعات الانفصالية.
حتى في أحكامنا الأخلاقية اعتدنا تمجيد الجزء وتحقير الكل؛ ولقد تمكنت منا، شعورا وعقلا وثقافة ولسانا..، كل عصبية حقيرة تافهة، فشرعنا نَنْسِب إليها كل مأثرة وفضيلة، ونَنْسِب إلى العروبة، في الوقت نفسه، كل مثلبة ورذيلة، فلماذا؟!
ومن تجربة شخصية أقول إن كثيرا من مثقفينا القوميين والعلمانيين واليساريين والديمقراطيين والليبراليين.. تراهم، في الأزمات الاختبارية، وقد عادوا إلى عبادة الأوثان نفسها، وكأن وعيهم الجديد، الذي يتغنون به في الأوقات العادية، لا يعدو كونه قشرة رقيقة طرية لا تقوى على الصمود طويلا.
في مناخ النصر، بمعانيه المختلفة، ينمو ويزدهر الشعور بالانتماء القومي؛ أما في مناخ الهزيمة، بمعانيها المختلفة، فيضمر ويضمحل.