[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/09/sayed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]السيد عبد العليم[/author]
أهم عناصر الصراع في دارفور
1) التربص الأجنبي
يمكن تأريخ الصراع وبداياته بتداعيات محاربة الإرهاب وتصنيف النظام السوداني ضمن قائمة الدول المساندة للإرهاب وعدم نجاعة العقوبات الاقتصادية ضده ودخول الصين الشعبية على الخط من خلال استغلالها للنفط السوداني في الوقت الذي تستغل فيه أميركا نفط الجارة تشاد، وهكذا تحولت المنطقة إلى حلبة صراع مفتوحة بين الدول الكبرى كان حطبها هو قبائل المنطقة فكانت ابسط النزاعات حول المرعى تتحول إلى مجازر وتهجير قسري للسكان.
ونظرا لغياب أي دور عربي في المنطقي تم إخلاء الساحة لدول عديدة وجدت في تشاد قاعدة لتنفيذ أجندتها، والتي كانت بمثابة قاعدة مفتوحة بامتياز حيث يتم توفير الدعم بكل أنواعه وشكلت مطارات تشاد سواء العسكري الذي تسيطر عليه فرنسا في العاصمة أو في الشمال في مدينة أبشة قواعد عسكرية حقيقية لدعم المتمردين، كما أن المنظمات الإنسانية تجاوزت طبيعتها الإنسانية وانخرطت في مشروع دعم المتمردين وليس خافيا أن يتم تسجيل حوالي مائة منظمة غربية تعمل في المنطقة، بالمقابل لا تزيد المنظمات العربية عن عشرة منظمات، هذه المنظمات تتوفر على مراكز او بالاحرى قواعد مجهزة بأحدث وسائل الاتصالات والدعم اللوجيستي وتنسق فيما بينها بشكل مثير للريبة في غياب تام لأي رقابة أمنية من الحكومة التشادية.
وقد عقد التدخل الدولي المشكلة أكثر من الإسهام في حلها. فعلى افتراض حسن النية لدى المجتمع الدولي، الا انه ليس لديه فكرة عن طبيعة وخصائص تركيبة دارفور العرقية؛ إذ أن الصراع الحاصل ليس بين أفراد، بل بين جماعات. لذلك جاءت رؤية المجتمع الدولي الخاطئة، وتحرك بناء علي فرضيات خاطئة. فالحركات المسلحة لا تمثل كل قبائل دارفور أو كل شعب دارفور. كما أن المجتمع الدولي أقبل علي المشكلة وكأنها حرب بين متمردين وحكومة. وهذا تبسيط مخل أضر بالمشكلة وزاد من تعقيدها إلى أن تحولت إلي كارثة إنسانية وأزمة دولية.
وفي الحقيقة فان هناك حرباً مستترة بين الولايات المتحدة وفرنسا على مناطق النفوذ في القارة السمراء، وقد كسبت أميريكا جولات على أراض كانت السيطرة فيها فرنسية، مثل: زائير، وراوندا، وبوروندي، ولا تزال الحرب سجالاً في كل من: موريتانيا وأفريقيا الوسطى بما فيها تشاد، ولعل من الصعب فصل تطورات الأوضاع في السودان عن الأهداف الفرنسية في تشاد، فتشاد لا تزال في دائرة النفوذ الفرنسي، تتمركز فيها قوات فرنسية، كما تسيطر الشركات الفرنسية على المشروعات النفطية الناشئة فيها، وتذهب بعض التحليلات إلى اعتقاد أن الامتداد بين دارفور وتشاد ليس امتداداً قَبَلياً فقط، بل امتداد نفطي على الأرجح، فالخزانات النفطية الجوفية في تلك الرقعة يتوقع أن تكون ممتدة على جانبي الحدود.
ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لتخفيض وارداتها من نفط الشرق الأوسط بحلول عام 2025 بنسبة 75%، وقد جاءت هذه الدعوة على لسان الرئيس جوج بوش الابن ولن يتأتى لها ذلك إلاّ مع الاستعانة بموارد النفط في آسيا الوسطى وأفريقيا. ومن وجهة نظر أخرى قد تفسر حرص بعض الأطراف الأوروبية على التدخل؛ فقد تحدث بعض المحللين عن تداول إمكانية ربط النفط السوداني، تحديداً من مناطق بحر الغزال، بشبكات أنابيب تمتد عبر تشاد إلى ليبيا، بما يسهل تصدير النفط السوداني والتشادي إلى أوروبا عبر سواحل البحر المتوسط. وهو مشروع جرى الحديث عنه إبان اكتشافات النفط السوداني، وثمرته التقليل من تكلفة نقل النفط إلى أوروبا، كما أنه يؤَمِّن للأوروبيين مصادر نفطية إضافية قريبة، ويقلل من اعتماد الأوروبيين على النفط من مناطق يعد حليفها الأميركي أقوى من الأوروبي فيها. ومن جهة ثالثة فإن تلك المنطقة الواسعة غنية بالثروات المهملة، فقد أشارت عدة تقارير صحفية إلى وجود معادن وثروات جديرة بالعناية الغربية.
2) القطيعة بين النظامين السوداني والتشادي
كان للقطيعة بين النظامين السوداني والتشادي الأثر الكبير في دعم كلا الطرفين للمعارضة من جهته، حتى انه هناك من يرى أن صراع دارفور منتج أجنبي تم تركيبه وتسويقه انطلاقا من الأراضي التشادية. وبذلك فان قبيلة الرئيس التشادي المعروفة بالزغاوة كانت المكون الأساسي للمليشيات المسلحة في دارفور وكانت تشن هجماتها على القبائل الأخرى، مما ساهم في تأجيج الصراع القبلي. كما أن ما يغفل عنه الكثيرون في هذا الصراع هو وجود لاجئي الكوارث الطبيعية شمال تشاد بالمحاذاة مع دارفور، واختلاط لاجئي الصراعات القبلية مع لاجئي الفيضانات أعطى الصراع بعدا إنسانيا كبيرا واهتماما للمنظمات الدولية التي استغلت الموقف بطريقة دراماتيكية جلبت أنظار العالم وساهمت في تدويل الصراع.
3) سوء تقدير النظام السوداني للوضع
أدركت نخبة دارفور أن الصراع حول الموارد ناتج عن غياب التنمية وإفرازا للتهميش وحرمان الإقليم من التنمية والخدمات وعدم اهتمام المركز(الحكومة) بالأطراف(الأقاليم النائية). ولذا نقلت النخبة المشكلة إلى حيز المواجهة مع الحكومة، وقدموا مطالبهم للحكومة المركزية في الخرطوم. بيد أن الأخيرة قد تعاملت معهم باعتبارهم(خارجون عن القانون) و(قطاع طرق) وعناصر( نهب مسلح)، وسعت إلي حل المشكلة بعقلية أمنية، وانتهجت نهجا عسكريا لحسم هذه (الخروجات الأمنية)، وذلك رغم استيلاء الحركتين المتمردتين (تحرير السودان، والعدالة والمساواة) على عدة مدن صغيرة، لكن الأجهزة الأمنية قلّلَت من قدرات التمرد، وبذلك أغلقت الحكومة الباب أمام أي حل سياسي حينما كان ذلك ميسورا، وفي المراحل الأخيرة ورغم تركيز الحكومة على أن حركات التمرد مدعومة من الخارج فإن تداعيات المشكلة على الصعيد الدولي أجبرتها على الجلوس على طاولة المفاوضات بعد أن بلغت تلك الحركات من القوة والدعم الخارجي درجة جعلتها لا تقدم كثيرا من التنازلات. كما كان لانفراد الحزب الحاكم في السودان باتخاذ قرارات مصيرية في التعاطي مع الصراع في تغييب شامل للمعارضة الأثر الإضافي في فشل الخطة الحكومية.
4) دخول المعارضة السودانية على الخط لا يمكن إخفاء أيادي المعارضة السودانية في الموضوع بحيث كان إقليم دارفور مواليا تقليديا لحزب الأمة ومع تقلص نفوذه استطاعت الحركة الإسلامية اختراق المنطقة خاصة بعد ابتعاد الدارفورين عن الحزب الحاكم وانضمام بعضهم لجناح حسن الترابي؛ ويمكن حصر أهم الحركات المتمردة في دارفور في" حركة تحرير السودان" بقيادة أمينها العام مني أركوي ميناوي, و"حركة العدالة والمساواة" بقيادة خليل إبراهيم والتي ستنقسم بدورها إلى جناحين, بالإضافة إلى المليشيات العربية التي استطاعت الحكومة في ما بعد كسبها إلى جانبها ويطلق عليها اسم "الجنجويد". ومن هذا الجانب لا يخفى وقوف حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي في حينه خلف حركة العدالة والمساواة ولو بشكل غير رسمي وتأكيد ذلك يتجلى من خلال قادة الجناح السياسي لهذه الحركة فاغلبهم أعضاء سابقين في حزب الترابي، كما أن الأخير لم يكن متفقا مع طريقة الحل التي تبنتها الحكومة مما يشكل دعما غير مباشر للمتمردين وكان السبب وراء اعتقاله وفرض الإقامة الجبرية عليه. وقد اعترف حزب المؤتمر الشعبي أن 30 عنصراً في ذلك الحزب قد تم اعتقالهم لصلتهم بنشاطات في دارفور. كما اعترف الترابي كذلك بمساندته لتمرد دارفور: "اننا نؤيد القضية ولاشك في ذلك. ان لدينا علاقات مع بعض القياديين" وفي نوفمبر 2003 نسب الى مسئول في المؤتمر الشعبي اعترافه ان بعض أعضاء الحزب متورطون في النزاع.
النفاق الغربي في التعاطي مع قضية دارفور
بدأت مشكلة دارفور من خلال عمليات التصعيد الإعلامي المبالَغ فيها، باعتبارها "أكبر كارثة إنسانية" كما وصفها جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني الاسبق، أو أنها "جرائم إبادة وتطهير عرقي" كما زعمت إدارة بوش الابن، وذلك كله في إطار حملة تهيئة الرأي العام العالمي لمواقف تتخذ ضد السودان، حيث لا تزال قضية دارفور موضع اهتمام كبير ومتواصل من قبل المجتمع الدولي. وقد حاول الغرب في البداية ومن خلال الإعلام وبعض منظمات الأمم المتحدة لاسيما المنظمات الإنسانية وهيئات الإغاثة أن يظهر أن الاهتمام بدارفور نابع من بُعد إنساني محض وأن تلك القضية تقع في إطار الأوضاع الإنسانية المتردية في القارة الأفريقية عموماً وفي سائر أنحاء العالم بسبب الحروب الأهلية والصراعات المسلحة والنزاعات والظروف من نقص الأمطار والتصحر وإهمال الحكومات وعجزها وما شابه، إلا أن هذه المزاعم التي طرحت في البداية سرعان ما تهاوت لأن هناك قضايا إنسانية مشابهة إن لم تكن أكثر بشاعة في بلدان أفريقية مجاورة مثل إثيوبيا والصومال وبلدان الوسط الأفريقي والبلدان الأفريقية الواقعة على خط الصحراء الكبرى ناهيك عن الأوضاع الإنسانية في فلسطين والعراق وأفغانستان إلا أن الغرب لم يوليها نفس درجات الاهتمام المكثف الذي أولاه لقضية دارفور منذ البداية.
كما أن الغرب لم يدخل قضية ضمن نطاق السياسة الاستراتيجية الغربية مثلما فعل بالنسبة لدارفور ولم يقم الدنيا لها كما فعل في حالة دارفور بإصدار البيانات والقرارات من الأمم المتحدة وتشكيل شتى أنواع اللجان في محاولة للدخول وإدخال الوساطات المتعددة وبذل الجهود الدبلوماسية المضنية التي لا تنقطع وأخيرا إلى مساعي إرسال قوات عسكرية تحت مسمى حفظ السلام من شتى البلدان الإفريقية ثم العالمية. وهو الامر الذي تدركه الحكومة السودانية في الخرطوم تماما ومن ثم كان صراعها المستمر مع تواجد قوات دولية اممية وافريقية في دارفور، وها هي في هذا الاطار تعترض مؤخرا على تجديد استمرار القوات الاممية في الاقليم، ولا تفتأ تطالب بخروجها منه.
ولم تصل الأمور بالنسبة للقضايا الإنسانية الأخرى، ومعظمها أشد خطورة من قضية دارفور، إلى حد التدخل الصارخ في شئون الدولة التي تحدث الأزمة على أراضيها كما حدث في دارفور حيث وصلت الأمور إلى حد الدعوة إلى إسقاط الحكومة السودانية بقوة الغزو المسلح والعمل على تفتيت البلاد وفصل إقليم دارفور بأسره كما فصل الجنوب السوداني وكما تجري الترتيبات لفصل كردفان والنوبة.
هنا أصبح واضحاً زيف الدعاية الغربية الكاشفة على أن قضية دارفور هي قضية إنسانية بالمقام الأول تتعلق بالأحوال البائسة لشعبها. ولتغطية هذا الانكشاف ظهرت على الفور النظرية أو التصور الآخر من الغرب للحالة في دارفور. وهنا جرت استعادة الوضع في جنوب السودان وفي بعض بلدان أفريقيا الغربية كما يراها الغرب لتطبيقه حرفيا على الوضع في دارفور. وهكذا أصبحت القضية حالة صراع عرقي بين عرب معتدين وأفارقة أو سود ضحايا، وتحوّل الوضع إلى عدوان من الشمال ضد الجنوب وإلى هجمة إسلامية ضد أماكن مسيحية رغم أن الجميع يعلم أن سكان دارفور كلهم مسلمون. وهنا انفتح الباب لتبرير التدخل الاستعماري والكنسي الغربي بحجة أن هذا استمرار لما كان يحدث في جنوب السودان من مساعدة غربية مشروعة لأجل الجنوب السوداني. وبدأت نفس آلية أحداث الجنوب تتكرر في دارفور ولكن مع اختلافات مهمة. فلأنه لا توجد حركات مسلحة في دارفور قادرة على التفوق على قوات الحكومة السودانية واحتلال الأراضي وإنهاء الصراع بشكل حاسم أو شبه حاسم كما حدث في الجنوب السوداني كان لابد أن يحدث تدخل عسكري غربي تحت ستار ما أسمي بقوات الاتحاد الأفريقي في البداية ثم تحت ستار قوات حفظ سلام دولية وأخيراً تحت ستار واهي وهو إرسال قوات من بلدان يفترض أنها عربية وأفريقية لكنها تابعة للغرب وتعتبر من أدوات سياساته.
وبصورة تدريجية اختفى البُعد الإنساني الذي كان زاعقاً في السياسة والإعلام الغربي من الصورة ليحل التركيز على هذا التصور الجديد بقضية درافور وعلى ترتيب كيفية التدخل السياسي والعسكري وترتيب كيفية إسقاط أي وجود للحكومة السودانية في ذلك الإقليم تمهيداً لفصله رسميا عن الكيان السوداني كما حدث بالنسبة للجنوب. وفي ظل هذا التصور الراهن اتضح للجميع أن قضية دارفور بالنسبة للغرب ليست قضية إنسانية أو قضية حفظ سلام لكنها قضية استمرار لسياسة تمزيق الكيان السوداني بأية طريقة تحت مزاعم لا يهتم الغربيون كثيراً بإظهار المصداقية عليها أو حتى تنويعها.
فالعوامل المحلية ترسم مأساة الحالة الإنسانية وعمليات توظيفها في الإعلام الغربي (المُسَمّى الدولي) بغية خلق رأي عام عالمي مُواتٍ لأي قرارات ضد السودان (الدولة والنظام) ذلك أن مناظر معسكرات اللاجئين بما فيها من أطفال ونساء لا تترك للفرد-مهما كان وعيه وفهمه للقضية- إلاّ أن يتعاطف مع هذا الوضع، ثم تقوم عمليات تزييف الوعي برسم رؤى لحل المشكلة تصب في صالح القوى التي تدفع بعنف في سبيل تشكيل الرأي العام العالمي، فعلى الرغم من وجود عشرات التنظيمات المسلحة المعارضة التي ترتكب جرائم بحق الأبرياء والعزّل بدعم من الخارج فإنه لا يُشار إليها في الإعلام الغربي، كما أن تصوير القضية على أنها عرب وأفارقة فيه تضليل للرأي العام وتزييف للحقيقة، فليس هناك نقاء عرقي في دارفور، فلا يوجد عربي قُح، ولا إفريقي قُح؛ فالقبائل هناك متجانسة ومتزاوجة عبر سنوات طويلة، ولا يوجد فوارق في اللون بين سكان الإقليم سواء كانوا عربا أو غير عرب، كما أن جميعهم مسلمون، والفارق الوحيد بين طرفي الصراع في دارفور هو حرفة كل جانب منهما، حيث يمتهن أحد الجانبين الزراعة فيما يعمل الطرف الآخر بالرعي. وقد روى شهود عيان عائدون من دارفور كيف أنه يصعب التمييز بين المواطن الأفريقي والعربي هناك، وكيف تتداخل القبائل أو تحل مشاكلها بينها وبين بعضها البعض، وكيف أن وفد لجنة الإغاثة الطبية المصري الذي ذهب لدارفور في المدة من 2 إلى 23 يوليو 2004، لم يجد سوى ستة حالات للحمل خارج نطاق الزواج (وليس اغتصاب)، ما يعني أن ما يجري الترويج له عن عمليات اغتصاب للنساء أمر مبالغ فيه، وقالوا: إن هناك تهويل غربي مبالغ فيه فيما يجري.
رؤية لحل مشكلة دارفور
قبل الشروع في بناء معالم حل إستراتيجي أو خريطة طريق لمشكلة دارفور من المهم التأكيد على أمور عدة:
الأول: لا يمكن حل مشكلة دارفور بمعزل عن حل مشكلة السودان، فالنظام الفيدرالي لا يقام في طرف دون آخر، ولكن يقوم على التوازن بين مختلف الأقاليم، وما دارفور إلا عَرَض لمشكلة السودان كله.
ثانيا: إن خيار الحل السياسي السلمي للمشكلات الموروثة في السودان هو الخيار الإستراتيجي، حيث يهدف إلى معالجة جذور المشكلات بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الخيار الذي يمكن أن يزيل بؤر الاحتقان القابلة للاشتعال.
ثالثا: في صراعات الهوية الوطنية لا يقوم العلاج على اتفاقيات السلام المجردة، ولكن لابد من عملية مصالحة وطنية شاملة تعمل على إعادة صياغة مفهوم الدولة ليتسع للجميع، فالسودان الجديد بحاجة إلى إستراتيجية شاملة للسودان ككل وليس لمجرد حماية دارفور.
رابعا: أي حل لمشكلة السودان يقتضي فتح حوار جدي على مستويين، داخل السودان: بين مختلف ألوان الطيف السوداني الممتد، وخارجه: بين السودان كدولة ونظام وبين المجتمع الدولي؛ للاتفاق على أسس شاملة لحل الأزمة وبدء تنفيذها فورا؛ لأن الحلول الجزئية للقضايا السودانية لم تعد مجدية.
أما معالم هذه الإستراتيجية أو خريطة الطريق فهي:
1- العمل على بناء دولة مركزية قوية قادرة على معالجة أزمات التنمية مثل الهوية والتغلغل والتكامل، فالسودان اليوم يحتاج إلى عقد اجتماعي جديد.
2- العمل على بناء نظام ديمقراطي، إذ تقلل النظم الديمقراطية من الاستقطاب القَبَلِي والعرقي حيث يكون التنافس سياسيا، ورغم أن الأحزاب قد تعتمد على رموز القبائل فإنه يظل الأساس هو البرامج والتنافس الحزبي.
3-على السودان الجديد احترام واقع التنوع في البيئة السودانية والتركيبة القبلية؛ فالقبيلة وحدة اجتماعية واقتصادية وسياسية تدين بولاء طوعي يجذب الفرد نحو الجماعة لما يوفر من حماية وضمان وهوية.
4-يحتاج السودان الجديد النظر لمشاكله برؤية شاملة على ثلاث مستويات: أمنية، وإنسانية وسياسية، والحل السياسي هو الأساس ثم تسنده الحلول الأمنية والإنسانية.
5-على السودان الاهتمام بما يسمى باللاعبين غير الدول ويقصد بهم المنظمات غير الحكومية -مراكز حقوق الإنسان والمنظمات الإعلامية- التي يمكنها لعب دور مؤثر في السياسة الدولية وتحقيق المصالح العليا لأي دولة.
واخيرا, ينبغي لحل أزمة دارفور أن تعترف الحكومة السودانية بالمظالم التنموية والخدمية التي بدأها الاستعمار وسارت عليها كل الحكومات الوطنية بعد الاستقلال. ويجب الاعتراف بوجود استعلاء ثقافي وعرقي مورس علي كل المستويات، وشكل ثقافة اجتماعية في مفردات الخطاب والسلوك الاجتماعي. ويجب تنقية المناهج التعليمية السودانية من كل الإيحاءات العنصرية، ويتضمن المقرر الدراسي مادة عن مساوئ العنصرية وغرس قيم التسامح وقبول الآخر واحترام التعددية الثقافية. وبخصوص الوضع الراهن لأزمة دارفور، فالتنمية سوف تأخذ وقتا حتى تتحقق بالصورة التي تزيل هذه التظلمات وتلك التوترات. ولذا يجب النظر إلي الحل من خلال عناصر أساسية وهي: صراع الموارد(بين الرعاة والمزارعين)، صراع بين الحكومة والمركز( قسمة السلطة والثروة وإزالة التهميش)، الصراع بين أبناء الإقليم( من يحكم دارفور؟).
وإذا كان ينبغي علي الحكومة السودانية أن تقدم المزيد من التنازلات وأن تسرع في عملية بناء الثقة, فيقع جزء كبير من المسئولية علي عاتق الحركات الدارفورية التي عليها أن توحد صفها ورؤيتها؛ حتى تنجح المبادرات المختلفة في وضع حد للقتال كبداية لطريق طويل من اجل إعادة البناء والتعمير.
ولن تجد مشكلة دارفور الطريق للحل إلا بقرار السودانيين انفسهم ولو تدخل كل من في هذا الكون للتوسط بينهم، أما فكرة فرض السلام إذا كان لابد منها فيجب ان تكون بقوات افريقية عربية مسلمة بدعم من يهمه حل هذه المشكلة وإلا خرجت مشكلة دارفور عن السيطرة وانتقلت تداعياتها للدول المجاورة.
وفي الختام فان قضية دارفور ليست قضية قبلية طائفية، بل قضية السودان باكمله: قضية التنمية غير المتوازنة والتوزيع غير العادل للسلطة والثروة؛ وقد وصفت الامم المتحدة ازمة دارفور بانها من اسوأ الازمات الانسانية في التاريخ الحديث، ولكن العالم يتفرج. والمثير للاسى هو عدم وجود دور اسلامي واضح في الامر على الرغم من ان كل سكان دارفور تقريبا مسلمين واغلبهم من حفظة القران الكريم ومع ذلك لم نر أي دور لمنظمة المؤتمر الاسلامي في التوسط لحل المشكلة بين الحكومة السودانية والقبائل المتصارعة على المراعي والزراعة في المنطقة. صحيح هناك المحاولات القطرية عن طريق مؤتمر الدوحة بيد ان الحل الفعلي يتطلب دور عربي اكبر تتشاطر فيه بلدان مثل مصر بقوة ولاسيما ان لها قبولا حاليا بين اطراف الصراع وذلك بما للازهر من وقع على اهالي دارفور وحكومة الرئيس عمر البشير ذات التوجه الاسلامي وكذلك دور عربي من قبل البلدان المجاورة واشراك الدول الافريقية المجاورة في الحل وكذلك دور عربي خليجي بمساعدة سكان المنطقة على استغلال مواردهم الضخمة وذلك بضخ استثمارات في المنطقة تساعدها على اقامة بنية اساسية تخدم التنمية فيها. وذلك بدلا من تركها فريسة للصراعات والحروب والاطماع والتدخلات الخارجية ثم الصياح والعويل على تدخل دول معادية بعينها (على رأسها اسرائيل) في المنطقة.

السيد عبد العليم
مترجم وباحث سياسي
[email protected]